من الغريب أن يترك بعض الكتاب العزيز ويؤخذ ببعض آخر منه، أو يعمل ببعض السنة ويترك بعض آخر لا لقضية علمية كضعف أو إرسال أو جهالة في السند، بل لرأي خاص ومذهب معين، إن ذلك نوع من النقص في الدين، سيما إذا كان المتروك آية أو حديثاً يتعلق بمفهوم عقائدي.
فمثلاً تركّز بعض المذاهب على ما ورد في مجاميعهم الحديثية مما يؤيد أفكارهم وتوجهاتهم، بينما يُجْهدون أنفسهم بمختلف التأويلات في صرف المعاني عن كرامات أهل البيت(عليهم السلام)، حتى إذا لم يجدوا باباً للتأويل، تجاهلوها ولم يشجّعوا على تعليمها، حتى تندثر ولا يلتفت إليها أحد.
ومن هذه الأحاديث ما ورد في تفسير قوله تعالى فِي كتابهِ الكريمِ: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)[1].
روى الطَّبريُّ فِي تفسيرهِ للآيةِ الكريمةِ: «عنْ أبِي هُريرَةَ فِي قولِهِ: ليُظهرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ قالَ: حينَ خروجِ عيسى ابنِ مريمَ»[2].
وفِي سُننِ البيهقيِّ: (عن جابرٍ بنِ عبدِ اللهِ فِي قولهِ: (ليُظهرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ)، قالَ: خروجُ عيسى ابنِ مريمَ (عليهما السلام))[3].
ولو رجعنا إلى البخاري نراه ينقل أنَّ خروجَ عيسى (عليه السلام) يكونُ عندَ ظهورِ المهديِّ (عليه السلام)، فقَدْ روى فِي صحيحِهِ: (عن نافعٍ مولى أبي قتادةَ الأنصاريَّ أنَّ أبا هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله): كيفَ أنتُمْ إذا نزلَ ابنُ مريمَ فيكُمْ وإمامكُمْ مِنكُمْ)[4].
أما الفخرُ الرَّازي فقد ذكر عَنْ أبِي هُريرَةَ أنَّهُ قالَ: (هذا وعدٌ مِنَ اللهِ بأنَّهُ تعالى يجعلُ الإسلامَ عالياً على جميعِ الأديانِ. وتمامُ هذا إنَّمَا يحصلُ عندَ خروجِ عيسى، وقالَ السَّدي: ذلكَ عندَ خروجِ المهديِّ، لا يبقى أحدٌ إلَّا دخلَ فِي الإسلامِ أو أدَّى الخِراجَ)[5].
وعنِ القُرطبيِّ فِي تَفسيرِهِ: (قالَ أبو هريرةَ والضَّحاكِ: هذا عندَ نزولِ عيسى(عليه السلام).
وقالَ السَّديُّ: ذاكَ عندَ خروجِ المهديِّ، لا يبقى أحدٌ إلَّا دخلَ فِي الإسلامِ أو أدَّى الجِزيةَ. وقيلَ: المهديُّ هوَ عيسى فقطْ وهوَ غيرُ صحيحٍ لأنَّ الأخبارَ الصِّحاحَ قَدْ تواترَتْ على أنَّ المهديَّ مِنْ عِترَةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، فلا يَجوزُ حملهُ على عيسَى)[6].
وقالَ القُرطبيُّ في هذا الصدد: (إنَّ جميعَ ملوكِ الدُّنيا كلِّهَا أربعةٌ: مؤمنانِ وكافرانِ، فالمؤمنانِ سليمانَ بنَ داودَ وإسكندرَ، والكافرانِ نمرودَ وبختنصر، وسيملِكُهَا مِنْ هذهِ الأمَّةِ خامسٌ لقولهِ تعالَى: (ليظهرَهُ على الدِّينِ كُلِّه) وهوَ المهديُّ)[7].
وقالَ الآلوسي فِي تفسيرهِ: (إنَّ تمامَ هذا الإعلاءِ عندَ نزولِ عيسى(عليه السلام) وخروجَ المهديِّ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ حيثُ لا يبقى حينئذٍ دينٌ سوى الإسلامُ)[8].
وجاء في شرح صحيح البخاري (وكلُّهُمْ أيِ المُسلمونَ ببيتِ المقدسِ وإمامهُمْ رجلٌ صالِحٌ قَدْ تقدَّمَ ليُصلِّي بهِمْ إذْ نزلَ عيسى فرجعَ الإمامُ يَنكصُ ليتقدَّمَ عيسَى فيقفُ عيسى بينَ كتفيهِ ثمَّ يقولُ تقدَّمْ فإنَّهَا لكَ أقيمَتْ وقالَ أبو الحسنِ الخسعي الأبدي فِي مناقبِ الشَّافعي تواترتِ الأخبارُ بأنَّ المهديَّ مِنْ هذهِ الأمَّةِ وأنَّ عيسَى يُصلِّي خلفَهُ)[9].
هذا بالنِّسبةِ إلى تفاسيرِ أهلِ السُّنَّةِ وكتبِهِمْ أمَّا تفاسيرُ الشِّيعةِ فكلُّهُمْ يفسِّرونَ الآيةَ الكريمةَ بظهورِ المهديِّ(عليه السلام)، فهذا الوعدُ الإلهيُّ بظهورِ الإسلامِ على كلِّ الأديانِ لمْ يتحقّقْ لحدِّ الآن ولا يتحقّقُ إلَّا عندَ ظهورِ المهديَّ(عليه السلام) الذي يملأُ الأرضَ قِسطاً وعدلاً بعدما مُلئَتْ ظُلمَاً وجورَاً.
مجلة ولاء الشباب العدد (39)