في يوم من الأيام قام بعض الخلفاء باستدعاء شعراء مصر، وكان حينها شاعراً فقيراً للغاية، رثّ الثياب، يحمل جرّة بيده ذاهب بها ليملأها من البحر بالماء؛ لم يرد أن تذهب عليه الفرصة سدى فتبع الشعراء حتى وصل جميعهم لدار الخلافة.
وما إن وصل الشعراء لقصر الخلافة أغدق عليهم الخليفة من الخيرات والهبات الكثير، ولكنه عندما رأى الشاعر الفقير وثيابه الرثة ومعه الجرة الفارغة التي يحملها، سأله: من أنت؟، وما حاجتك إلينا؟.
قال الشاعر الفقير:
ولما رأيت القوم شدّوا رحالهم إلى بحرك الطامي أتيت بجرتي
أعجب الخليفة أشد الإعجاب بما أنشد به الشاعر الفقير، فقال على الفور: املؤوا له جرّته بالذهب الخالص.
قال أحد الحاسدين والحاقدين عليه: ولكنه رجل فقير، ولن يحسن التصرف بكل هذه الأموال.
الخليفة: إنه ماله يفعل به ما يشاء.
وما إن ملأت له جرّته بالذهب حتى خرج من قصر الخليفة، وقام بتوزيعها كلّها على الفقراء والمساكين.
قال أحدهم للخليفة: ألم نقل لك ونخبرك بأنه لن يحسن التصرف بها، وأنه سيضيّعها جميعها، لقد وزّع الرجل الفقير كل الهبة التي أعطيته إياها.
أرسل الخليفة على الفور في طلبه، وسأله عن صحة المعلومات التي وصلت إليه، فقال الشاعر الفقير…
يجود علينا الخيرون بمالهم ونحن بمال الخيرين نجود
أعجب الخليفة وأشاد بردّه، وأمر بتعبئة جرّته بالذهب عشرة مرات، فقال: صدقاً الحسنة بعشر أمثالها.
الحكمة من تلك القصة: لا تكن حسوداً حقوداً حتى تتمنّى زوال النعمة من غيرك، فهي وإن زالت منهم فلا تصل إليك، وإنما اعمل واجتهد حتى تحصل على كل ما تتمنّاه، مع طلب العون والتوفيق من الله تعالى.
المصدر: مجلة بيوت المتقين، العدد (85)، صفحة (30)