لا تخلو المشاعر المقدسة في مكة المكرمة من موضع مقدّس ومكان له سابقة تاريخية، ويعد مسجد الخَيْف في مشعر منى واحداً من أبرز تلك المواقع ويُمثّل عَلامةً بارزة في مَشْعَر مِنًى، ويقع في قلب مشعر منى مجاوراً لجسر الجمرات ونقطة بدايتها، ويعدّ جامع الخَيْف من أبرز المساجد التاريخية الإسلامية، وهو أكبر مسجد في منى وثاني أكبر المساجد في المشاعر، ويتواجد فيه بصفة دائمة أعداد كبيرة من الحجاج.
ويسمّى مسجد الخَيْف: مسجد الأنبياء؛ لكثرة الأنبياء الذين صلوا فيه، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (صلى في مسجد الخيف سبعمائة نبي.....)[1].
وصلى فيه خاتم الأنبياء والرسل النبي الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله)، وخطب فيه في حجة الوداع، وكان وقتذاك في منى.
التسمية:
سمي الخَيْف بفتح الخاء وسكون الياء، لأن الخيف في اللغة هو ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، وتم تسميته نسبة للمنحدر الذي يقع فيه وهو خيف بني كنانة في سفح جبل منى الجنوبي قريباً من الجمرة الصغرى.
مصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يصلي فيه عند تواجده في منى، ويعتبر مصلى الرسول المفضل في منى، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (صل في مسجد الخيف وهو مسجد منى، وكان مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد وفوقها إلى القبلة نحواً من ثلاثين ذراعاً وعن يمينها وعن يسارها وخلفها نحواً من ذلك، قال: فتحرَّ ذلك، وإن استطعت أن يكون مصلّاك فيه فافعل فإنه قد صلى فيه ألف نبي، وإنما سمي الخَيْف لأنه مرتفع عن الوادي، وما ارتفع عن الوادي سمي خيفاً)[2].
عمارة مسجد الخَيْف:
لا تتضمن المصادر التاريخية أي نصوص تقدّم تاريخاً دقيقاً لإنشاء مسجد الخيف، إلا أن بعض النصوص إشارات إلى وجود هذا المسجد منذ فترة مبكرة من صدر الإسلام قد تصل إلى زمن النبي (صلى الله عليه وآله)، إذ إن هناك أحاديث نبوية وأحداث تعود لتلك الفترة ورد فيها ذكرٌ لـ « مسجد الخَيْف».
وقد توالت على هذا المسجد عمارات متعددة كان آخرها ما قامت به الجهات المختصة في حكومة المملكة العربية السعودية من إعادة إعمار مسجد الخيف وتوسعته حتى أصبح أضعاف مساحته السابقة لكي يستوعب الأعداد الكبيرة من ضيوف بيت الله الحرام، وكان ذلك على مرحلتين:
المرحلة الاولى: قد أجريت عام 1393هـ وكانت عمارة كبيرة، واحتفظت هذه العمارة بملامح مسجد الخيف التاريخية وأبرزها الفضاء الواسع المتمثل في صحونه حتى يضم أكبر عدد من المصلين، وبنيت للمسجد عدد من المنائر.
أما المرحلة الثانية: فقد كانت في عام 1407هـ، حيث بلغت مساحة مسجد الخيف حوالي خمسة وعشرين ألف متر مربع ويستوعب خمسة واربعين ألف مصلٍ تقريباً، وفيه أربع مَنَائِر، وهو مكيف بـ(410) وحدات تكييف، كما تساعد على تلطيف الهواء في المسجد 1100 مروحة، ويليه مجمع دورات المياه، ويوجد فيه أكثرُ مِن أَلْف دورةِ مياه، وثلاثة آلاف صُنبور للوُضوء، ولقد ساعدت توسعة المسجد على زيادة السعة الاستيعابية للمصلين.
هذه لمحة سريعة لتاريخ أحد أهم وأقدم المساجد في العالم، مسجد الخيف الذي صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه المنتجبين، ويصلي فيه سنوياً عدد كبير من حجاج بيت الله الحرام أثناء أدائهم مناسك الحج.
المصدر: بيوت المتقين (36) شهر ذي الحجة 1437هـ