سجلت حادثة ولدي مسلم بن عقيل(عليهم السلام) مواقف خلّدت أصحابها عبر القرون، منها ما حكى الصدق والوفاء والولاء، ومنها ما حكى الرذيلة والجريمة، والنفوس المتوحشة. فلنقرأ بعض هذه المواقف:
الموقف الأول: موقف السجّان
سجان في سجون أحد جبابرة التاريخ الذي لا يعرف لله حرمات ولا للدين أثراً، ولا للإنسانية عنواناً ولا رحمة، يرق قلب ذلك السجان، ويفدي نفسه لطفلين لمسلم بن عقيل، ويفتح لهما باب السجن ليهربا، بعد أن أغلق على نفسه باب الحياة.
موقف يعطر التاريخ بالغيرة والحمية
الموقف الثاني: موقف العجوز المؤمنة:
عجوز تعيش أيامها الأخيرة لابد أن تكون في راحة بال وقلة مشاكل وأن تحافظ على أيامها الأخيرة لعلها تعيش وقتاً أطول، وإذا بها تشم ريح النبوة والإمامة من ذينك الطفلين، فتغير منهجها وتقلب حياتها فداءً لهما وتضع روحها بين راحتيه، وتفتح لهما باب قلبها يبيتان فيه ليلتهما لترفع عنهما ساعات التعب والخوف من القتل.
موقف تعجز الألسن عن التعبير عن معانيه.
الموقف الثالث: موقف القاتل (الحارث)
عندما جاء الحارث ووجد الولدين عند العجوز أخذهما ليقتلهما فقالا له: يا شيخ بعنا واستمتع بثمنينا. فقال: لا ولكن أقتلكما. فقالا: احفظ قرابتنا من رسول الله. فقال: لا قرابة أحفظ. قالا: اذهب بنا إلى بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال: أريد التقرب إليه بدمكما. قالا: ارحم صغر سننا. قال: لتا رحمة أمام جائزة الأمير. فقالا: يا شيخ إن كان ولابد فدعنا نصلي لله ركعات، قال: صليا.
فصلى الغلامان أربع ركعات ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا: «يا حي يا حليم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا وبينه بالحق».
فقام إلى الأكبر فضرب عنقه، وأقبل إلى الغلام الصغير وهو يتمرّغ بدم أخيه وهو يقول: حتى ألقى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنا مختضب بدم أخي.
فقال: لا عليك سوف ألحقك بأخيك، ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه، ورمى ببدنهما في الماء وهما يقطران دماً. موقف تنكره الأزمان والأماكن وكل ذي روح.
وكان ذلك في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة، فسلام عليهما يوم ولدا ويوم استشهدا ويوم بعثهما حيّين.
مجلة ولاء الشباب العدد (52)