حبيب بن مظاهر الأسدي

قال الإمام الحسين (عليه السلام): (لله درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً، تختم القرآن في ليلة واحدة)[1].

اسمه وكنيته ونسبه:

أبو القاسم، حبيب بن مظاهر بن رئاب الأسدي الكندي.

ولادته:

لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته ومكانها، إلّا أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري.

صحبته:

كان (رضي الله عنه) من أصحاب الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين (عليهم السلام).

جوانب من حياته:

 كان (رضي الله عنه) مع الإمام علي (عليهم السلام) في جميع حروبه، وكان من أصفياء أصحابه وحَمَلة علومه، ومن شرطة الخميس.

كان حافظاً للقرآن الكريم، وكان يختمه في كلّ ليلةٍ من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

كان من جملة الذين كتبوا إلى الإمام الحسين (عليه السلام) لمّا امتنع من بيعة يزيد، وكان مع مسلم بن عقيل لمّا ورد الكوفة.

(قال أهل السير: جعل حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للإمام الحسين (عليه السلام) في الكوفة، حتّى إذا دخلها عبيد الله بن زياد وخذّل أهلها عن مسلم بن عقيل، وتفرّق أنصاره، حبسهما عشائرهما وأخفياهما، فلمّا ورد الإمام الحسين (عليه السلام) كربلاء خرجا إليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتّى وصلا إليه)[2].

عنده علم المنايا والبلايا: كان(رضي الله عنه) ممّن علّمهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) علم المنايا والبلايا، وهذه الحادثة خير شاهد على ذلك: (عن فضيل بن الزبير، قال: مرّ ميثم التمّار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد، فتحدّثا حتّى اختلف أعناق فرسيهما.

ثمّ قال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع، ضخم البطن، يبيع البطّيخ عند دار الرزق، قد صُلب في حُبّ أهل بيت نبيّه (عليه السلام)، يُبقر بطنه على الخشب.

فقال ميثم: وإنّي لأعرف رجلاً أحمر له صفيدتان، يخرج لينصر ابن بنت نبيّه فيُقتل، ويُجال برأسه في الكوفة. ثمّ افترقا، فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذبُ من هذين.

قال: فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رُشيد الهجري فطلبهما، فسأل أهل المجلس عنهما، فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا.

فقال رُشيد: رحم الله ميثماً ونسي: ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم، ثمّ أدبر، فقال القوم: هذا والله أكذبهم.

فقال القوم: والله ما ذهبت الأيّام والليالي حتّى رأيناه مصلوباً على دار عمرو بن حُريث، وجيء برأس حبيب بن مظاهر قد قُتل مع الحسين (عليه السلام)، ورأينا كلّ ما قالوا)[3].

خطابه للسيّدة زينب (عليه السلام) ليلة العاشر من المحرّم:

جاء (رضي الله عنه) ومعه أصحابه ليلة العاشر من المحرّم، ووقفوا عند خيام بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخاطب السيّدة زينب (عليها السلام) بقوله:

(السلام عليكم يا معشر حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذه صوارم فتيانكم آلَوا أن لا يغمدوها إلّا في رقاب مَن يبتغي السوء فيكم، وهذه أسنّة غلمانكم آلَوا أن لا يركزوها إلّا في صدور مَن يفرق بين ناديكم، فخرج إليهم الحسين (عليه السلام) وقال: أصحابي جزاكم الله عن أهل بيت نبيّكم خيراً)[4].

من مواقفه يوم العاشر من المحرّم:

1ـ جعله الإمام الحسين (عليه السلام) قائداً على ميسرة جيشه في معركة الطف، كما جعل زهير بن القين على الميمنة.

2ـ مزح (رضي الله عنه) يوم العاشر، (فقال له بريد بن خضير الهمداني، وكان يقال له سيّد القرّاء: يا أخي! ليس هذه بساعة ضحك، قال: فأيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور، والله ما هو إلّا أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين)[5].

3ـ لمّا ردّ شمر بن ذي الجوشن على إحدى مواعظ الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً: (يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول، فقال له حبيب بن مظاهر: والله إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك)[6].

4ـ لمّا صُرع مسلم بن عوسجة الأسدي، مشى إليه الإمام الحسين (عليه السلام) وحبيب بن مظاهر الأسدي، فدنا منه حبيب فقال: (عزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنّة.

فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك الله بخير.

فقال له حبيب: لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك، لاحق بك من ساعتي هذه، لأحببت أن توصيني بكلّ همّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك، بما أنت أهل له في القرابة والدين.

قال: بل أنا أُوصيك بهذا رحمك الله ـ وأهوى بيده إلى الحسين (عليه السلام) ـ أن تموت دونه، قال: أفعل وربّ الكعبة)[7].

5ـ برز إلى المعركة وهو يقول: «أنا حبيبٌ وأبي مُظاهِرُ فارسُ هيجاءٍ وحَربٌ تُسعرُ أنتم أعدّ عدّةً وأكثرُ ونحنُ أعلى حجّةً وأَقهرُ وأنتمُ عند الوفاء أغدر ونحنُ أوفى منكمُ وأصبر»[8].

شهادته:

استُشهد (رضي الله عنه) في العاشر من المحرّم عام 61بواقعة الطف، وقبره في رواق حرم الإمام الحسين (عليه السلام) منفصل عن قبور الشهداء في كربلاء المقدّسة.

تأبينه:

حسبُه (رضي الله عنه) من الإكرام والتجليل ما أبّنه به الإمام الحسين (عليه السلام) فقد روي أنّه لمّا بلغه (عليه السلام) قتل حبيب قال: (أحتسب نفسي وحماة أصحابي)[9].

وقال (عليه السلام): (لله درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً، تختم القرآن في ليلة واحدة)[10].

مجلة بيوت المتقين العدد (28)

 

 


[1]  ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزي، ج ٣، ص ٧١، شجرة طوبى، الشيخ محمد مهدي الحائري، ج ٢، ص٤٤٢.

[2] أعيان الشيعة محسن الأمين: ج4، ص554.

[3] إختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي: ج1، ص292.

[4] المجالس الفاخرة السيد شرف الدين: ص233.

[5] إختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي: ج1، ص293.

[6] الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص98.

[7] الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص103.

[8] كتاب الفتوح أحمد بن أعثم الكوفي: ج5، ص107.

[9] بحار الأنوار للمجلسي: ج45، ص27.

[10] شجرة طوبى للحراني: ج2، ص442.