قبل الجواب لا بدّ من بيان تأريخية هذا السؤال، فنقول: اختلفت طوائف المسلمين فيما بينها في مسألة أفعال العباد، هل هي مجبورة في أفعالها أو مخيّرة؟ فذهبت بعض الطوائف إلى القول بالجبر أي: إنّ الإنسان مجبور في جميع أفعاله وليس له الخيار في ذلك، بل هو منقاد فحسب، وهذا الاعتقاد ـ مع شديد الأسف ـ جرّ الويلات على الأمّة الإسلامية وأجلى مصداق لها أفعال بني أُميّة (لعنهم الله) من القتل، والسبي، والظلم، والاضطهاد، وهلمّ جرّا تحت طائلة هذا الاعتقاد الفاسد. إلّا أنّ أغلب الطوائف الأُخرى لم تقل بالجبر.
واعتقادنا نحن الشيعة الاثني عشرية هو: أنّ الإنسان بالنسبة إلى أعماله التي تعلّق بها التكليف مخيّر ويحاسب عليها، يُعاقب على العصيان ويُثاب على الطاعة، وحاشا لله أن يحاسب على عملٍ ليس للإنسان فيه اختيار؛ ولذا أجاب الإمام علي الرضا (عليه السلام) حينما سئل: «ما معنى قول جدّك الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين؟ فقال (عليه السلام): مَن زعم أنّ الله يفعل أفعالنا، ثمّ يعذّبنا عليها، فقد قال بالجبر، ومَن زعم أنّ الله (عزّ وجلّ) فوّض أمر الخلق والرزق إلى خلقه، فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك»[1].
وعند التأمّل في قول الإمام الصادق (عليه السلام) «ولكن أمر بين أمرين»، يتبيّن أنّ أفعالنا من حيث هي أفعالنا حقيقة ونحن أسبابها الطبيعية، وهي تحت قدرتنا واختيارنا، وفي الوقت ذاته هي مقدورة لله تعالى وداخلة في سلطانه؛ لأنّه هو مفيض الوجود ومعطيه. فهو لم يجبرنا على أفعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي؛ لأنّ لنا القدرة والاختيار فيما نفعل، كما أنّه لم يفوّض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد أخرجها عن سلطانه، بل له الخلق والحكم والأمر، وهو قادر على كلّ شيء ومحيط بالعباد[2].
مجلة اليقين العدد (55)