الصلح

حدث تصادم سيارتين أمام ناظري، فدفعتني الروح الإنسانية لمعرفة حال السائقين، فقد تحطّمت السيارتان وتضررتا، وعند اقترابي من مكان الحادث نزل أحد السائقين ومن شدّة صدمة الحادث عليه وعدم تركيزه عاتبني بغضب شديد، ظناً منه أنّني مَن اصطدمت به، فقلت له: يرعاك الله، لست أنا من اصطدم بك فالسائق الآخر لم يخرج من سيارته بعد.

ولأنّ الحادث كان مأساوياً بالفعل؛ كان السائق الآخر في حالة حرجة، فنقلته بمساعدة السائق الثاني إلى المشفى بسيارتي الخاصّة.

وبعد أن تمت معالجته هناك، وهدأت الأوضاع، اعتذر منّي السائق الأول، فقبلت اعتذاره.

وبعد مضي ساعتين واستقرار حالة المصاب وزوال الخطر عنه، وفاق من غيبوبته؛ هنأناه على سلامته وبدأ حواره مع قرينه حول الحادث بحضوري، وأراد كلّ منهما التصالح وعدم تقديم شكوى للجهات المختصّة عن الحادث، وطلبا منّي حضور مجلس الصلح، فقلت لهما: الصلح كما تعرفون هو: التسالم بين شخصين على تمليك عين أو منفعة أو على إسقاط دين أو حق بِعِوَض مادي أو مجاني، ولا يشترط كونه مسبوقاً بالنزاع، ويجوز إيقاعه على كلّ أمر وفي كلّ مقام إلّا إذا كان محرّماً لحلال أو محلّلاً لحرام.

فقال أحدهما: وهل في الصلح شرط معين؟

قلت: هو عقد من العقود يحتاج إلى الإيجاب والقبول، فلو قال أحدكما للآخر تصالحت معك على كذا؛ يقول الآخر قبلت، عندها يقع الصلح، حتى فيما أفاد فائدة الإبراء وإسقاط الحق.

فقال الآخر: وهل من ألفاظ معينة لإيقاع الصلح؟

قلت: يتحقق الصلح بكلّ ما يدل عليه من لفظ أو فعل أو نحو ذلك، ولا تعتبر فيه صيغة خاصة، نعم، اللفظ الصريح نحو (صالحت) أولى من طرف الموجب، كقول أحدكما للآخر في التصالح عن حادث التصادم: (صالحتك عن تحطيم سيارتي بكذا أو على كذا ) فيقول الآخر: (قبلت المصالحة ).

فقال أحدهما: وهل هو لازم، وما مقدار العوض فيه؟

قلت: عقد الصلح لازم في نفسه وإن لم يكن عوض في مقابله، وأفاد فائدة الهبة.

فقال الآخر: وهل ينفسخ؟

قلت: لا ينفسخ إلّا بتراضي المتصالحين عليه.

فقال أحدهما: وهل يجري خيار المجلس؟

قلت: لا يجري ذلك، بل وحتى خيار الغبن كذلك.

فقال الآخر: وماذا يعتبر في المتصالحين؟

قلت: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، وكمال تصرف المتصالح في ماله، بأن لا يكون محجوراً عليه لسفه أو فلس.

قال أحدهما: عذراً للإطالة عليك أريد معرفة أحكاماً أُخرى للصلح، فهل تسمح لي؟

قلت له: تفضل.

فقال: هل تجوز المصالحة بمبادلة دينين على شخص واحد أو على شخصين؟

قلت: لا بأس فيما إذا لم يستلزم الربا، وإلّا لا تجوز المصالحة بينهما على الأظهر.

فقال: هل لي بمثال؟

قلت: كجواز الصلح والبيع بالأقل نقداً على الدين ـ المال ـ المؤجل في ذمّة المديون بأقل منه، ولا تجوز المصالحة إن لم يكن البيع نقداً؛ لأنّه يستلزم الربا، مع كون التماثل قائماً بالعملة.

قال: وهل يجوز أن يصطلح الشريكان بعد انتهاء الشركة على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه؟

قلت: يجوز.

فقال: لو اشترى أخوان كلٌّ منهما قميصاً، أحد القميصين بـ (5 ) آلاف دينار، والآخر من المحل نفسه بـ (10 ) آلاف دينار وبعد وصولهما للبيت أختلط الأمر عليهما فلم يعلم كلٌّ منهما قميصه لكون القياس نفسه ومتقاربين في اللون ولم يميّزا، فما العمل حينئذٍ؟

قلت: يخيّر أحدهما الآخر في أخذ أحد القميصين، ولا إشكال حينئذٍ فكلّ ما اختاره يحلّ له ويحلّ الآخر لصاحبه.

فقال: ومع عدم القبول بذلك؟

قلت: يتوافقاً على بيع القميصين وقسمة الثمن بينهما بنسبة رأس مال كلّ واحد منهما فيقسم المال إلى ثلاثة أسهم، ويُعطى صاحب العشرة آلاف سهمان، وصاحب الخمسة آلاف سهم واحد.

 فقال: لو اشترط في عقد الصلح وقف المال المصالح به على جهة خاصّة ترجع إلى المصالح نفسه، أو إلى غيره، أو إلى جهة عامّة في حياة المصالح، أو بعد وفاته، هل يصح ذلك؟

قلت: يصح، ولزم الوفاء بالشرط.

قال: إذا كان لشخصين مالان مختلطان وتمّ بهما شراء بضاعة تُلف بعضها، فكيف يقسّم التالف بينهما؟

قلت: إن كان الاختلاط على نحو يوجب الشركة بينهما في الخليط قُسّم التالف عليهما بحسب نسبة المالين، وإن لم يكن ذلك، فإن تساوى المالان في المقدار حُسِب التالف عليهما وقسّم الباقي بينهما نصفين، وأمّا مع الاختلاف فيه فإن كان احتمال وقوع التلف ممَّن ماله أقل ضعيفاً يوثق بوقوعه في مال الآخر.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (68)