إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما

لا تعتمد العلاقة الزوجية على عوامل طبيعية فحسب، بل هناك عوامل غيبيّة وإلهيّة تتدخل في تفاصيل تلك العلاقة، بدءاً من أصل تكوين تلك العلاقة المباركة، وحتى الحلقة الأخيرة من حلقات هذه العلاقة والختم بنهاية المطاف بفراق الموت المحتم، فالله تعالى جعل هذا الزواج آية من آياته؛ إذ يجمع بين قلبين لم يكونا متآلفين من قبلُ، ويقرِّب المسافات، ويزيل المعوِّقات، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[1]، وهكذا يرعى الله تعالى تلك العلاقة برعايته، ويسقيها من ماء لطفه وعنايته، لكن ولظروف موضوعية قد تبرز لكثير من الأزواج مشاكل وبأسباب مختلفة، قد تضيق تلك المشاكل، وقد تتسع حتى تصل إلى نتائج لا تحمد عواقبها.

إلّا أنّ تلافي كلّ تلك المشاكل وتقييدها هو تابع لإرادة الزوجين نفسيهما، وتابع لإخلاص أحدهما للآخر، بحيث إنّ كلّ واحد منهما جاد في تذليل العقبات والصعوبات، ويرضخان لوحي الله تعالى الذي يريد منهما التصبر والتحمّل والتودّد، ولا يرضخان لتدخلات مَن يريد بهما سوءاً بحجّة وذريعة تقديم النصيحة والتوجيه للزوجة أو للزوج، (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)[2]، فالمؤمن والمؤمنة يجب عليهما تحسس التدخل الإلهي في زواجهما، وأن يطلبا العون منه دائماً في الصغيرة والكبيرة، فالمشاكل كثيرة، والصعوبات متعددة، والحياة عقبات وعقبات، ولا أحد يستطيع أن يجتاز كلّ ذلك بحوله وقوته، ما لم يطلب العون والمساعدة من الله جلّ جلاله، والله تعالى في عون الزوجين ما كان أحدهما في عون الآخر، إضافة إلى طهارة ذاتيهما من عداء أحدهما للآخر عداءً نفسياً غير مهذب؛ لأنّ هذا العداء قبيح ذميم، لا يؤول بصاحبه إلّا إلى الخسران المبين، وأمّا العداء الموضوعي الذي ينتج عن بعض المشاكل الموضوعية والظرفية فإنّه سريع الذوبان والانحلال، فبمجرد أن ينتبه أحدهما أو كلاهما لحقيقة المشكلة، أو يتدخل أحد الخيرين بينهما، فإنّ المشكلة سرعان ما تذوب وتتحلّل، ويوفق الله تعالى بينهما؛ لأنّ المشكلة ظرفية خارجية لم تدخل إلى وسط القلب وتعيش في خلاياه، وأكثر المشاكل هي من هذا النوع، يمكن حلّها بسهولة ويسر، لكن تدخلات النمامين والمنافقين وشياطين الجنّ والإنس في أكثر المشاكل تحول بين المتحابين أن يجتمعا على الخير والصلاح.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (64)


[1] سورة الروم: الآية 11.

[2] سورة البقرة: الآية 12.