غانمة مع معاوية وابن العاص

هي الصحابية الجليلة: غانمة بنت غانم القرشية، وهي من أعلام المؤمنات المجاهرات بكلمة الحق في وجه الباطل.

ولما بلغها سبُّ معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، بني هاشم، خرجت خاطبة في أهل مكة:

«أَيُّها النَّاسُ، إِنَّ قُرَيْشَاً لَمْ تَلد مِن رقم، ولا رقم، سَادَتْ وَجَادَتْ، وَمَلَكتْ، فَمَلَكَتْ، وَفضلتْ، ففضلتْ، واصطُفيتْ، فاصْطَفّتْ، لَيْسَ فيها كَدَرُ عَيْبٍ، ولا أَفَن رَيبٍ، ولا حشروا طَاعِنين، ولا حَادوا نَادمين، ولا المغضوب عَليهم، ولا الضَّالين.

وإن بني هاشم أطول الناس باعاً، وأمجد الناس أصلاً، وأحلم الناس حلماً، وأكثر الناس عطاءً، فيا معشر قريش، والله ما معاوية بأمير المؤمنين، ولا هو كما يزعم، هو -والله- شانئ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإني آتية معاوية، وقائلة له ما يعرق جبينه، ويكثر منه عويله».

فلم يمنعها كِبَرُ سِنّها من التوجه إلى الشام؛ لردع معاوية عن سب عليّ(عليه السلام)، وبني هاشم، بعد استواء الحكم له.

فكتب عامل معاوية إليه بذلك، فلما بلغه أن غانمة قد قربت منه، أمر بدار ضيافته، فنُظِّفت وأُلقي فيها الفرش، فلما قربت من المدينة، استقبلها يزيد في حشمه ومماليكه، فلما دخلت المدينة، أتت دار أخيها عمرو بن غانم.

فقال يزيد لغانمة: إن عبد الرحمن يأمركِ أن تصيري إلى دار ضيافته - وكانت لا تعرفه.  فقالت له: من أنت كلاك الله؟

قال يزيد لها: أنا يزيد بن معاوية.

فقالت غانمة: فلا رعاك الله يا ناقص، لستَ بزائد!

فتغير لون يزيد، وأتى أباه فأخبره بما قالت غانمة.

فقال معاوية ليزيد: هي أسنُّ قريش، وأعظمهم شأنا، فلا تبتئس.

فقال يزيد لأبيه معاوية: كم تعدُّ لها ـ أي من العمرـ يا أمير المؤمنين؟

قال معاوية: كانت تعد على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهي من بقية الكرام.

فلما كان من الغد أتاها معاوية ومعه ابن العاص، فسلما عليها.

فقالت غانمة لمعاوية: على المؤمنين السلام، وعلى الكافرين الهوان، من منكم ابن العاص؟

فقال عمرو بن العاص: ها أنا ذا.

فقالت غانمة: وأنت تسب قريشاً وبني هاشم؟ وأنت واللهِ أهل السب، وفيك السب، وإليك يعود، يا عمرو: إني والله لعارفة بعيوبك، وعيوب أمك، وإني ذاكرة ذلك عيباً عيباً، وُلِدْتَ من أَمَةٍ سوداء، مجنونة حمقاء، وأما أنتَ: فقد رأيتك غاوياً غير راشد، ومفسداً غير صالح.

واتجهت نحو معاوية قائلة: أما أنت يا معاوية، فما كنت في خير، ولا ربيت في خير، فما لك ولبني هاشم؟ أنساء بني أمية كنسائهم؟ أم أُعطي أمية ما أُعطي هاشم في الجاهلية والإسلام؟ وكفى فخراً برسول الله(صلى الله عليه وآله).

فقال معاوية لغانمة: أنا كافٍ عن بني هاشم.

قالت: فإني أكتب إليك عهداً، كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) دعا ربه أن يستجيب لي خمس دعوات، أفأجعل تلك الدعوات كلها فيك؟

فبدا على معاوية الخوف، فقال: أقسم بالله أن لا أسب بني هاشم أبداً.

إلا أنه لم يفِ بوعده كاملاً، فتوقف عن سب بني هاشم، وأبقى سب الوصي المرتضى(عليه السلام))[1].

مجلة اليقين، العدد (33)، الصفحة (8 - 9).

 


[1] البحار للمجلسي: ج 46، ص 134، كتاب مواقف الشيعة، للشيخ علي الأحمدي الميانجي: ج1، ص90.