الأول: رؤية الله تعالى بالبصر يوم القيامة.
ذهب الأشاعرةّ إلى أنّ الله عزَّ وجلَّ موجود، وكلّ موجود يصحُّ أنْ يُرى. فقالوا في كتبهم: ونعتقد بأنَّ الله تعالى يُرى في الآخرة بالبصر كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون، إنّ رؤية الله تعالى في الآخرة مما أهتم بأثباتها الأشاعرة اهتماماً بالغاً.
ولكن إنّ فكرة رؤية الله تعالى هي فكرة مستوردة وبدعة يهودية نقلها الأحبار إلى الأوساط الإسلامية وحيكت الأخبار على منوالها، ويشهد على ذلك ما موجود في العهد القديم ومنها:
الأول: رأيت السيد (يعني الله تعالى) على كرسي عالٍ: ويلٌ لي لأن عينيّ قد رأتا الملك رب الجنود.
الثاني: كنت أرى أنّه وضعت عروش وجلس قديم الأيام، لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيب نار. والمراد من قديم الأيام هو الله تعالى شأنه.
ولكن لما كان القول بالرؤية في الآخرة يستلزم المقابلة وان الله تعالى يكون في جهة معينة محدودة وكونه في جهة ومكان خاص، يلزم منه المحدودية والجهة والإمكان، بمعنى يكون الله تعالى ممكنا وليس بواجب.
حاول بعضهم أن يجد حلا لهذا الإشكال فقال أحد علمائهم وهو التفتازاني: ذهب أهل السنّة إلى أنّ الله تعالى يجوز أن يرى، وأن المؤمنين يرونه منزها عن المقابلة والجهة والمكان.
ولكن الأشكال يبقى قائما لأن إمكان وقوع الرؤيا بمعنى أن الإبصار متحقق ويصعب ويستحيل تحقق الرؤيا بدون المقابلة عن الجهة والمكان.
أدلة القائلين بالرؤيا:
قال تعالى:(كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ)
اختلف الأشاعرة والمعتزلة ما المقصود بالنظر هل المراد نظر بمعنى الرؤية، أو نظر بمعن الانتظار، أي انتظار رحمة الله تعالى وغفرانه، فقال أبو الحسن الأشعري: المراد من النظر هو النظر بالرؤية، لأن النظر بالوجه هو نظر الرؤية فصح معنى قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).
وقالت المعتزلة: إن المراد من النظر، هو الانتظار لا الرؤية بالعين، أي أن المعنى ناظرة إلى رحمة الله تعالى ورضوانه ومغفرته.
أفعال العباد مخلوقة لله تعالى
إنّ من آراء الأشاعرة ّ، عموم إرادة الله سبحانه لكلّ شيء، ويُعدُّ ذلك من المسائل الرئيسة في مذهبهم، وحاصله: أنّ كلّ ما في الكون من جواهر وأعراض حتّى الإنسان وفعله، مراداً لله سبحانه، تعلّقت إرادته بوجوده، وليس شيء في الوجود خارجاً عن سلطان إرادته، ولا يقع شيء من صغير وكبير إلّا بإرادة منه سبحانه، وهذا الأمر أدّى بهم إلى أنْ يلتزموا بأنّ الأفعال الصادرة من الإنسان بإرادة منه، كالإيمان والكفر والطاعات والمعاصي هي تحت الإرادة الإلهيّة، فإذاً هو مجبر على فعلها غير مختار لها بتمام معنى الكلمة.
وإنّ القول بالتوحيد في الخالقية وإنه لا خالق في صفحة الكون إلاّ الله سبحانه، هو على خلاف ما ذهب إليه المعتزلة حيث نفى المعتزلة أن يكون الله تعالى خالقاً لأفعال العباد، فالله تعالى على رأي المعتزلة خالق لكل شيء إلاّ فعل العباد، والإنسان هو الذي يخلق أفعاله، ولكن هذا القول من المعتزلة يلزم منه القول بالثنوية: بمعنى يلزم منه وجود خالقين، الخالق الأول: هو الله تعالى، و الخالق الثاني: هو الإنسان، فإنّه خالق لفعله أيضاً، والمعتزلي بقوله هذا قد عزل سلطان الله تعالى عن ملكه، وجعل بعضاً من هذا السلطان في سلطان غيره، وهو فعل العبد في سلطانه وفعله.
ولكن تفسير التوحيد بالخالقية على ما ذهب إليه الأشاعرة يسفر عنه الجبر وسلب الاختيار ونفي العلل الطبيعية، وهو أمر غير صحيح، فإنه يسلب اختيار الإنسان ويكون مجبوراً على فعله، وما يقوم به من أعمال، سواء أكانت في جانب الخير أو الشر، فالأشاعرة بقولهم هذا قد خلعوا الأسباب والعلل - وهي جنود الله تعالى- عن مقام التأثير والإيجاد.
والحق الذي قام عليه البرهان ويصدقه الكتاب الكريم: هو كون فعل الإنسان موجوداً بقدرتين، وهي قدرة الله تعالى، وقدرة العبد، ولكن القدرتان غير متساويتين، فإنّ قدرة العبد من مظاهر قدرة الله تعالى ومن شؤونها وجنودها، وهي من جنود الله تعالى (وما يعلم جنود ربك إلاّ هو)، فإنّه قد جرت سنة الله تعالى على ربط الأشياء بأسبابها، فقد جعل الله تعالى لكل شيء سبباً، وللسبب سبباً وهكذا بأسباب متعددة، إلى أن تنتهي جميع الأسباب والعلل إلى الله تعالى، وتكون جميع الأسباب والعلل الطويلة هي علة واحدة تامة كافية لإيجاد فعل العبد.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب، فجعل لكل شيء سبباً، وجعل لكل سبب شرحاً».
المصدر: مجلة اليقين العدد (13 - 14)