وهاهنا سؤال مهم ينقدح من خِضمّ ما تقدم من الدراسة السابقة، وهو: ما السر إذن في وجود هذا الكم الهائل من الروايات الموضوعة ضد الشيعة والعراقيين والكوفة؟
يُجيب العلامة المحقق السيد سامي البدري على ذلك بقوله: يأتي الجواب من دراستنا للغدر المبين الذي قام به معاوية خلال النصف الثاني من حكمه والذي استمر قرابة العشر سنوات، فقد رأيناه يقلب ظهر المجن للإمام علي (عليه السلام) باللعن والبراءة بعد الترحم عليه وذكره بخير، ويلاحق شيعته بالسجن والقتل والتهجير وبخاصة أهل الكوفة، واقترن ذلك بسياسة ثقافية منظمة لتربية النشئ الجديد في الدولة الإسلامية شرقا وغربا على لعن الإمام علي (عليه السلام)، قائمٍ على رؤية سلبية إزاءه مبنية على أحاديث نبوية، فمنعت من تداول أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) التي تدعو إلى محبته وموالاته وطاعته، وشجّعت الناس الذين يرغبون في الدنيا في وضع أحاديث مكذوبة على النبي (صلى الله عليه وآله) تدعو إلى معاداة الإمام علي (عليه السلام) والبراءة منه، وبذلك تكوَّن ركام هائل من الأحاديث الموضوعة ضد الإمام علي وأهل بيته (عليهم السلام) تداولها الناس ثمانين سنة وصارت دينا يُدان به.
وحين ظهرت الدولة العباسية لم يسمح الوضع العام للدولة بتداول تلك الأحاديث لكون قيادتها هاشمية والإمام علي (عليه السلام) هو كبير بني هاشم بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وكونها تحركت أساسا تحت شعار مظلومية الإمام علي (عليه السلام) وولده الإمام الحسين (عليه السلام) شهيد كربلاء ولطلب الرضا لآل أبي طالب، فدثر أمرها تدريجيا ولم يبق منها إلا طرف من قبيل (إن عليا لا يصلي!!، إن عليا دخل حفرته وما قرأ القرآن!!، إن عليا سرق والنبي قطع يده!!، إن قول النبي يا علي أنت منى بمنزل هارون من موسى اشتباه من الرواة وإنما بمنزلة قارون من موسى....)
وقد تكررت التجربة الأموية هذه في الدولة العباسية وذلك حين رأى العباسيون أنفسهم يواجهون خصمين كبيرين يقفان عقبة أمام استمرار ملكهم وحفظ ولاء الأمة لهم، هذان الخصمان هما:
الخصم الأول: الحسنيون الثائرون الذين يملكون الشرعية في قبال بني العباس لأمرين:
الخصم الثاني: مرجعية الإمام الصادق (عليه السلام) التي تقوم على فكرة إمامة علي وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) بوصية من النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذه المرجعية آخذة بالتوسع والنمو.
ولأن الكوفة قاعدة شعبية لكلا هذين الخصمين في ضوء ذلك فليس للعباسيين الحاكمين إلا أن يحذوا حذو الأمويين لضمان استمرار ملكهم بتحريف تاريخ خصومهم وهم الحسنيون، فقاموا بتحويل حسناتهم وامتيازاتهم إلى عار يلاحقهم أبد الدهر فبدؤوا يروّجون للترهات والأقاويل الكاذبة:
ثم عالجوا مرجعية الإمام الصادق (عليه السلام) بأمرين:
الأول: تبني مرجعية مالك بن أنس وفرضها على الناس، وتبني طلابه ليكونوا قضاة وخطباء.
الثاني: إشاعة الشك في مرويات الإمام الصادق (عليه السلام) بل تضعيفه:
كما روى ذلك بن سعد، قال: جعفر بن محمد كثير الحديث ويستضعف.
وكما قال يحيى بن سعيد القطان: مجالد أحبّ إليّ منه.
وقال عنه الذهبي: وهذه زلقة من ابن القطان.
مع ملاحقة أصحابه وسجن الخليفة من بعده الصادقَ (عليه السلام) ولده الكاظم (عليه السلام).
وفي ضوء ذلك فإن ظهور هذا الكم الهائل من الروايات الطاعنة في الإمام الحسن (عليه السلام) وفي الكوفة وفي الشيعة يكون طبيعيا وكما تفرضه طبيعة الأشياء ولا نحتاج معه إلى بحث أسانيد هذه الروايات الطاعنة مع وجود الروايات المادحة وذلك لأن هذا المبرر وحده كاف في إسقاطها جملة وتفصيلا.