قضية رسمت سيناريوها إرادة السماء، ونظمت خرزها يد الإله، حريّ بها أن تكون سيدة الثورات ورائدة الملحمات، فلا غلو ولا مكابرة إذا ما قلنا إن اللَّبِنَةَ الأساسية لخلود نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) هي السماء، وأن من خلّد ذكراها وسقى جذورها هو الله سبحانه وتعالى، فَعَن أُمِّ المؤمنينَ أُمِّ سَلَمَةI: (جاءَ جَبرَئيلُ إلَى النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله) فَقالَ: إنَّ أُمَّتَكَ تَقتُلُهُ ـ يَعنِي الحُسَينَ(عليه السلام)ـ بَعْدَكَ، ثُمَّ قالَ لَهُ: أَلا أُريكَ مِن تُرْبَةِ مَقْتَلِهِ؟ قالَ: نَعَم، فَجاءَ بِحَصَياتٍ، فَجَعَلَهُنَّ رَسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) في قارورَةٍ، فَلَمّا كانَت لَيلَةُ قَتْلِ الحُسَينِ(عليه السلام)، قالَت أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعتُ قائِلاً يَقولُ: أيُّهَا القاتِلونَ جَهلاً حُسَيناً، أبشِروا بِالعَذابِ وَالتَّنكيلِ، قَد لُعِنتُم عَلى لِسانِ ابنِ داوودَ وَمُوسَى وَصَاحِبِ الإِنجيلِ، قالَتْ: فَبَكَيتُ، فَفَتَحتُ القارورَةَ، فَإِذا قَدْ حَدَثَ فيها دَمٌ) مقتل الحسين(عليه السلام)[1]، فلا ترانا بعد هذه الحقيقة نبحث من هنا وهناك عن عوامل خلود هذه الملحمة بعد أن تكفّلت إرادة السماء أن تكون هي المداد الحقيقي لخلود هذه الثورة، ولا نستاء أبداً لكلمات من أضلهم الله وأعمى بصيرتهم بعد أن نطق من لا ينطق عن الهوى بأن مقتل السبط(عليه السلام) جرت به مشيئة السماء في علمه تعالى، فعن الخاتم(صلى الله عليه وآله): «بِأَبي أَنتَ -يعني الحسين(عليه السلام)-، كَأَنّي أَراكَ مُرَمَّلاً بِدَمِكَ بَينَ عِصابَةٍ مِن هذِهِ الأُمَّةِ، يَرْجُونَ شَفاعَتي، مَا لَهُم عِندَ اللهِ مِنْ خَلَاقٍ، يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ قَادِمٌ عَلى أَبِيكَ وَأُمِّكَ وَأَخِيْكَ، وَهُمْ مُشْتَاقونَ إِلَيْكَ، وَإِنَّ لَكَ فِي الجَنَّةِ دَرَجَاتٍ لَا تَنَالُها إِلاّ بِالشَّهَادَةِ»[2]، وحسبك ما تنبأت به شريكة الحسين(عليه السلام) في نهضته زينب الكبرى(عليها السلام) مخاطبةً إمامنا زين العابدين(عليه السلام): «فَوَ اللهِ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) إِلَى جَدِّكَ وَأَبِيكَ وَعَمِّكَ، وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ أُنَاسٍ [مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ] لَا تَعْرِفُهُمْ فَرَاعِنَةُ هَذِهِ الأَرْضِ، وَهُمْ مَعْرُوفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ، أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ هَذِهِ الأَعْضَاءَ المُتَفَرِّقَةَ فَيُوَارُونَهَا، وَهَذِهِ الجُسُومَ المُضَرَّجَةَ وَيَنْصِبُونَ لِهَذَا الطَّفِّ عَلَماً لِقَبْرِ أَبِيكَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ(عليه السلام)، لَا يُدْرُسُ أَثَرُهُ، وَلَا يَعْفُو رَسْمُهُ عَلَى كُرُورِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَلَيَجْتَهِدَنَّ أَئِمَّةُ الكُفْرِ وَأَشْيَاعُ الضَّلَالَةِ فِي مَحْوِهِ وَتَطْمِيسِهِ، فَلَا يَزْدَادُ أَثَرُهُ إِلَّا ظُهُوراً، وَأَمْرُهُ إِلَّا عُلُوّاً»[3].
مجلة اليقين العدد (54)