ذكر الشيخ عبد الله بن الحسن في كتابه (مناظراتٌ في العقائد والأَحكام)، ج1، ص21 (المناظرة الثامنة عشر): إِنهُ كان من عادة المأمون دعوة الإِمام الجواد (عليه السلام) لمجالسته، فطلبه يوماً وعنده يحيى بن أكثم التميمي وجماعة، فلمَّا حضر الإِمام قال له يحيى: ما تقول يا ابن رسول الله في الخبر الذي روي أَنّ جبرئيل نزل على النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) قائِلاً: يا محمد! إِنَّ اللهَ عزّ وجلّ يُقرؤك السَّلامَ ويقول لك: سَلْ أَبا بَكْرٍ هلْ هو عنّي راضٍ، فإِنّي عنه راضٍ[1].
فقال الإمام(عليه السلام): لستُ بِمُنكرِ فضلِ أَبي بكرٍ، وَلكن يجبُ على صَاحب هذا الخبر أَن يَأخذ قولَ رسول اللهِ(صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع: قد كثُرت عليَّ الكذّابةُ، وسَتكثُر بعدي، فمن كَذَب عليَّ مُتعمِّداً فليتبوأ مَقْعدَهُ من النَّار، فإِذا أَتاكم الحديثُ عَنّي فاعرضوهُ على كِتابِ اللهِ وسُنّتي، فما وافقهما فخذوا بهِ، وما خَالفهما فَلا تَأْخذوا بهِ[2]، وليس خبرك موافقا لكتاب الله، فقال تعالى: (وَلَقَد خَلَقْنَا الاِنسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بهِ نَفْسُهُ وَنَحنُ أقرَبُ إلَيهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ)[3]، وهل رضاء أبي بكر من سخطه خفي على الله حتى يسأل عنه؟!
فقال يحيى: قد روي أن مثل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء[4].
فقال الإمام (عليه السلام): وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه، لأن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قطّ، وأما من ذكرت فقد أشركا بالله وإن أسلما بعد الشرك، فمحال أن يشبّههما بالملكين.
فقال يحيى: روي عنهما أنهما سيدا كهول أَهل الجنة[5].
فقال الإِمام (عليه السلام): هذا محال أَيضاً، لأنَّ أَهل الجنة كلَّهم شُبّاناً، ولا يكون فيهم كَهْلٌ، وهذا الخبر وضعه بعض بنو أُمية لمضادة الخبر الذي قاله النبي (صلى الله عليه وآله) في الحسن والحسين (عليهما السلام) بِأَنّهما سيدا شبابِ أَهلِ الجَنّةِ[6].
فقال يحيى: وروي أَن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنّة[7].
فقال الإمام (عليه السلام): وهذا أيضاً محال، لأنّ في الجنة ملائكة الله المقربين، وآدم ومحمد(صلى الله عليه وآله) وجميع الأنبياء والمرسلين، لا تضيء الجنة بأنوارهم حتى تضيء بنوره!
فقال يحيى: وقد روي أنّ السكينة تنطق على لسان عمر[8].
فقال الإمام(عليه السلام): لست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر، فقال يوماً: «إنّ لي شيطاناً يعتريني، فإِذا مِلتُ فسددوني»؟[9].
فقال يحيى: روي أنّ النبيّ قال: «لو لم أُبْعَثَ لَبُعِثَ عُمر»[10].
فقال الإِمام(عليه السلام): كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: (وَإذ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّين مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ..)[11]، فقد أَخذ اللهُ ميثاق النبيّين فكيف يمكن أَن يبدل ميثاقه، وكلّ الأَنبياء لم يشركوا بالله طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوّة من كان مشركاً به قبل إِسلامه، ولقول النبي(صلى الله عليه وآله): بُعثت وآدم بين الروح والجسد[12].
فقال يحيى: روي أنّ النبي قال: ما احتبس عنّي الوحي قط إلاّ ظننته قد نزل على آل الخطاب[13].
فأجاب(عليه السلام): هذا محال، لأنه لا يجوز أن يشك النبي(صلى الله عليه وآله) في نبوته، فقال تعالى: (اللهُ يَصطَفي من الملائكة رُسلاً ومن الناس)[14]، فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله لغيره؟
فقال يحيى: روي أنّ النبي قال: لو نزل العذاب لما نجى منه إلاّ عمر (الدر المنثور للسيوطي ج 4 ص 108).
فقال الإمام(عليه السلام): وهذا محال أيضاً، لقوله تعالى: (وَمَا كان الله ليُعذبَهُمْ وأَنتَ فيهم وَما كان الله مُعَذبَهُمْ وَهم يستغفرون)(الأنفال: 33) فأنبأ الله أنّه لا يعذّب أحداً ما دام فيهم رسوله وما داموا يستغفرون الله (البحار للمجلسي: ج 50 ص80).
مجلة اليقين، العدد (25)، الصفحة (8 - 9).
[1] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 2 ص 106.
[2] البحار للمجلسي ج2 ص225.
[3] ق: 16.
[4] الدر المنثور للسيوطي: ج 4 ص 107.
[5] كنز العمال: ج11 ص573.
[6] المعجم الكبير للطبراني: ج3 ص25.
[7] الرياض النضرة لمحب الدين: ج 2 ص 311.
[8] المستدرك للحاكم: ج3 ص87.
[9] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص54.
[10] فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 6 ص 356.
[11] الأحزاب: 7.
[12] كشف الخفاء للعجلوني: ج 2 ص 191.
[13] شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 12 ص 178.
[14] النساء: 77.