بعد أن نجح حسن من الصف الثاني المتوسط وكان الثاني في صفه، قدم أبوه له هديّته كعادة الآباء، وكانت الهدية شيئين الأول - وهو الذي كان بالحسبان - : الدراجة الهوائية التي كان يحلم بها حسن طيلة العام الدراسي، والثاني - الذي لم يكن بالحسبان - : كتاب الوجيز في العبادات وهي مجموعة الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات مطابقة لفتاوى سماحة السيد السيستاني - دام ظله - كتبت بطريقة مناسبة للفئة العمرية التي ينتمي لها حسن.
وفي المساء بعد الراحة النفسية والسعادة التي غمرت حسن سأل والدة عن كتاب الوجيز ومحتواه، فأجابه والده: هذا كتاب الأحكام الشرعية لأنك سوف تكون مكلفاً بها بعد أشهر فيجب عليك أن تتعلم المسائل التي تواجهك في حياتك اليومية على الأقل، هذا بعد أن تقلّد أعلم الفقهاء حتى تتبع فتاواه.
فقال حسن: وما معنى هذا التقليد يا أبي؟
قال: معنى التقليد أن ترجع اِلى فقيه لتطبق فتواه، فتفعل ما انتهى رأيه اِلى فعله، وتترك ما انتهى رأيه اِلى تركه، من دون تفكير، واِعادة نظر، وتمحيص، فكأنّك وضعت عملك في رقبته «كالقلادة» محمّلاً اياه مسؤولية عملك أمام الله.
- ولماذا نقلِّد يا أبي؟
ـ عرفتَ - يا حسن - فيما مضى أن الله قد أمرك بواجبات يتحتّم عليك أن تؤدّيها، ونهاك عن محرّمات يتحتّم عليك أن تمتنع عنها، وبعض ما أمرك به واضح في الشريعة تستطيع ـ ربّما ـ من خلال ما ربّتك عليه بيئتك الملتزمة أن تشخّصه، وبعض ما نهاك عنه واضح كذلك تستطيع ـ ربّما ـ من خلال تنشئتك المحافظة أن تميّزه، والشريعة الإسلامية قد ألمَّت بجميع جوانب حياتك المختلفة، فوضعت لكل واقعة منها حكماً، فكيف ستعرف حكمك الشرعي وأنت تمارس نشاطاتك الحياتية المختلفة، كيف ستعرف أن هذا الفعل يحلّه الشارع المقدَّس فتباشره، وان هذا العمل يحرمه الشارع المقدّس فتنأَى عنه وتجانبه. الكثير الكثير من الواجبات والمحرّمات، ستبقى مجهولة لك وللكثيرين من أمثالك غائبةً أو غائمة، والعلماء تصدّوا للبحث عنها وتنقيحها وتوضيحها وإيصالها إليك، وليس طريق للعمل بها إلا التقليد.
ثم أضاف والد حسن: إن مسألة التقليد هي من أحكام العقل، فالعقل يحكم برجوع الجاهل الى العالم عندما يحتاج شيء من ذلك العلم الذي عنده، خذ مثالاً على ذلك من علم الطب.. فلو مرضت ـ عافاك الله ـ فماذا ستفعل؟ ستراجع الطبيب، لعترض عليه حالتك المرضيّة ويشخّص المرض ويصف لك الدواء المناسب بعد ذلك.
ولماذا لا تشخِّص أنت بنفسك مرضك وتصف الدواء؟! لأنك لست طبيباً، كذلك الحال في علم الفقه. أنت محتاج اِلى مراجعة الفقيه المتخصِّص لمعرفة أمر الله ونهيه، وكما أنّك محتاج اِلى «تقليد» الطبيب في مجال اختصاصه، أنتَ محتاج اِلى «تقليد» الفقيه في مجال اختصاصه.
قال حسن: كيف أعرف أن هذا الرجل فقيه؟ أو أنّه أعلم الفقهاء؟
أجاب الوالد: تعرف ذلك بنفس الطريقة التي تعرف بها أن هذا الطبيب فاضل أو أنّه أفضل الاَطبّاء لتراجعه، وتسلّمه جسدك، يفعل به ما يراه مناسباً لعلاجه؟
وكذلك تعرف الفقيه، أو الفقيه الاَعلم حيث تسأل شخصاً ملتزماً بالواجبات، وتاركاً للمحرّمات، ثقةً، تتوفّر فيه القدرة، والمعرفة، والعلم والعدالة و«الخبرة» على تمييز المستوي العلمي للأشخاص في مجال الاختصاص، أو «يشيع» ويشتهر ويذيع بين الناس، فقاهة شخص، أو أعلميته بين سائر الفقهاء، بحيث تجعلك تلك الشهرة الواسعة وذلك الذيوع والانتشار، و«الشيوع» متأكداً وواثقاً من فقاهته أو أعلميّته.
قال حسن: وهل هناك شروط اُخرى فيمن يجب علينا تقليده، بعد أن نبلغ مبلغ الرجال، عدا شرط الفقاهة؟
أجاب الأب: طبعاً يجب أن يكون مقلَّدك: رجلاً، بالغاً، عاقلاً، مؤمناً، عادلاً، حيّاً غير ميّت، طاهر المولد وألاّ يكون كثير الخطأ والنسيان والغفلة.
قال حسن: حسناً، بعد أشهر - كما قلت - سأبلغ مبلغ الرجال، وقد عرفت شيئاً عن التقليد فماذا يجب عليَّ ان أفعل حينها؟
ـ تقلّد أعلم فقهاء عصرك، وتعمل بما يفتي به في شؤونك المختلفة.. في أحكام وضوئك ـ مثلاً ـ وغسلك، وتيمّمك، وصلاتك، وصومك، وحجّك، وخمسك، وزكاتك، وغيرها. كما تقلّده في معاملاتك.. في أحكام بيعك ـ مثلاً ـ وشرائك، وحوالتك، وزواجك، وزراعتك، واِجارتك، ورهنك، ووصيتك، وهبتك، ووقفك و.. و..