كنت ذاهبا يوماً إلى محل وظيفتي بسيارتي الخاصّة، فإذا بصوت غريب يتردد جيئة وذهاباً، ويعلو تارة وينخفض أخرى في محركها، فذهبت إلى المنطقة الصناعية لإدامة السيارات وصيانتها، حيث كانت في طريقي، فمررت بأحد مختصي صيانة المحركات، وكان لي معرفة قديمة به، فقال لي: بعض بطانات احتكاك المحرك تالفة، وعليك استبدالها، وإلّا أثّر ذلك على عمود المرفق ـ الكرنك ـ بالتلف أيضاً.
فأرسلني إلى أحد بائعي الأدوات الاحتياطية لجلب ما أوصاني به، فسلّمت عليه، وهو فتى يافع في مقتبل العمر، فجلب لي الأدوات المطلوبة، وأعطيته ثمنها، ورجعت إلى صاحبي، وسلّمتها له، وذهبت بعدها إلى دوامي الوظيفي، على أن أعود بعد انتهائه إلى صاحبي.
وبعد رجوعي وجدت صاحبي غاضباً، فتوجست خيفة من عدم اكتمال السيارة، أو وجود علّة ثانية فيها.
فقلت له: ما الخبر أراك غاضباً؟
قال: صاحب الأدوات الذي أرسلتك إليه فعل زوبعة، وتعدى عليّ وعليك ببعض الكلام الجارح.
فقلت: وِلمَ فعل الفتى ذلك؟
قال: ليس الفتى بل أباه، لأنّك لم تدفع ثمن الأدوات كاملاً.
قلت: بل دفعت الثمن كاملاً ونقداً.
عندها حضر والد الفتى، وقال له صاحبي: ما قولك الآن؟ فقد دفع الرجل تمام المبلغ لولدك.
فقال والد الفتى: هناك نقص بالمبلغ الذي دفعه.
فقلت لوالد الفتى: بناء على طلب ابنك دفعت له ثمن الأدوات، ولم اقتطع منه فلساً واحداً.
قال: كلامك صحيح لكن الربح قليلٌ جداً.
فقلت: هذا شأنك يا أخي، فما دام العرف والشارع المقدّس يؤيد هكذا ربح، وهو متعارف عند أهل الاختصاص من بائعي الأدوات، وليس فيه غبن، ولا بخس حق للآخرين، فلا يحق لك المطالبة بأي زيادة كانت.
فقال والد الفتى: إنّه طفل في الخامسة عشر من العمر، فلا يؤخذ بكلامه.
فقلت: لا، كلامك غير صحيح، فولدك قد بلغ مبلغ الرجال، فهو بالغ وعاقل، وأصبح مكلّفاً شرعاً قبل إكمال عامه هذا، فيؤخذ بكلامه، ويعتمد عليه، وقال لي السعر الأساسي للأدوات مضافاً عليها الربح أيضاً.
فقال والد الفتى: عذرا، وكم يصبح عمر الفتى ليبلغ شرعاً؟
فقلت: يبلغ الفتى بأحد أمور ثلاثة:
الأول: عندما يكمل خمس عشرة سنة هلالية على المشهور، أي: أربعة عشر عاماً وستة أشهر وخمسة عشر يوماً تقريباً.
الثاني: نبات الشعر الخشن على العانة، ولا اعتبار بالزغب والشعر الضعيف.
الثالث: خروج المني، سواء خرج بيقظة، أم نوم، أم باحتلام، أم بجماع، أم غيرهما.
فقال: بالمناسبة وما عمر بلوغ الفتاة؟
قلت: علامة البلوغ في الأنثى إكمال تسع سنين هلالية، أي: ثمان سنوات وثمانية أشهر وواحد وعشرين يوماً تقريباً.
فقال: وهل تصبح مكلّفة شرعاً؟
فقلت: كلّ فتى وفتاة عندما يبلغا سن البلوغ المذكور آنفاً يصبحا مكلّفين بالأوامر الإلهية من صوم، وصلاة، وحج، وخمس، وزكاة، وغير ذلك من التكاليف الشرعية.
فقال: وأي شيء يعتبر فيه البلوغ؟
قلت: يعتبر البلوغ في المضاربة، ويعتبر في المودع والودعي، ويعتبر في سائر المعاملات والعقود، وفي الراهن والمرتهن، وفي الاقتراض والمقترض، ويعتبر في الضامن والمضمون له، ويعتبر في المحيل والمحال والمحال عليه، ويعتبر في الكفيل والمكفول له، ويعتبر في المتصالحين كذلك، ويعتبر أيضاً في الوكيل والموكّل له، ويعتبر بالواهب أيضاً، وفي الوصي والموصي وغيرها.
فقال: عذراً، وماذا تقصد بالمحيل والمحال والمحال عليه؟
قلت: هذه ألفاظ تابعة لموضوع الحوالة، فالمحيل مَن أرسل الحوالة، والمحال هي الحوالة نفسها، والمحال عليه مَن استقبل الحوالة.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (59)