قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ»
النافلة هو ذلك الفعل الذي يؤجر العبد على فعله، وقد أمر الله تعالى به، لكنّه أمر على نحو الاختيار لزيادة الكمال ولحكمة عند الله تعالى، وأمّا الفریضة فإنّها الواجبات التي أمرنا الله تعالى بها ليؤجرنا عليها، ولم يرخّص في تركها، ولا مانع من اجتماعهما، وكلام أمير المؤمنين(عليه السلام) غير ناظر إلى هذه الحال؛ لأنّها أمر واضح للجميع، والذي يريد بيانه(عليه السلام) هو المورد الذي يتعذّر الجمع بينهما ولم تسنح الفرصة إلّا لواحدة دون الأخرى، فهنا يجب تقديم الفريضة على النافلة بالعمل، كما إذا ضاق وقت الصلاة فلا يتسع إلا لركعتين، فإنّه لا يجوز له أن يُصلّي النافلة؛ لأنّها سوف تفوّت الفريضة والفريضة لا يوجد ترخيص بتركها.
ولا يقتصر هذا الحكم والحكمة على الجانب العبادي، بل يشمل جانب المعاملات أيضاً، فالشخص الذي يملك مالاً بقدر ما عليه من دين، فإنّه لا يجوز له أن يتصدّق به، ولا أن يهبه، ولا أن يتبرّع به لأمر ما غير واجب؛ لأنّ ترك هذه الأمور لا يستدعي له تبعةً أو لوماً، في حين أنّ قضاء الدَّين واجب لا يجوز تركه.
وفي كلامه(عليه السلام) أيضاً جواب على توهم بعض من تعويض التقصير في بعض الواجبات بأعمال أخرى غير واجبة، ربما يكون ذلك تبريراً لكسل أو تغافل عن تلك الواجبات، فبعض مثلاً يستهين بأمر الصلاة أو الصوم وغيرها من الواجبات، وأنّ هذه الأمور غير مهمّة، وأنّ الأهم منها مساعدة الفقير، والأخلاق الحسنة، والمشاركة في بعض المناسبات الدينية، وغير ذلك مما هو في قائمة المستحبات التي لا يؤاخذ على تركها، خصوصاً مع الاضطرار والانحصار، فإنّ ذلك غير مقبول عند الله تعالى، ويحاول أن يثبت ذلك بخطاب معسول يحبه قليلو الوعي.
فهذه الحكمة المحكمة نصيحة إلى الإنسان المستقيم الذي يسعى لنيل السعادة في الدنيا، والراحة الأبدية في الآخرة.
مجلة ولاء الشباب العدد (56)