مُجلّي حقائق الإمامة
امتاز الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) عن بقية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بميزة حمله لتكاليف الإمامة وهو بعدُ لم يبلغ الحُلُم، وقد كان لهذه الحادثة في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ المسلمين دور كبير في بلورة حقيقة مقام الإمامة في عقيدة أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، حيث برهن الإمام الجواد (عليه السلام) عمليا على أن فرع الإمامة المقدس ما هو إلا امتداد لشجرة النبوة التي لا يشترط في أهلها قيود متعارفة بين الناس كصغر السن أو ما شابه.
ولد (عليه السلام) في العاشر من شهر رجب سنة 195هـ وقيل: في السابع عشر من شهر رمضان المبارك أو في النصف منه، تولى الإمامة في سن سبع سنين تقريبا، وكانت مدة إمامته سبع عشرة سنة عاصر فيها من ملوك بني العباس: المأمون والمعتصم، وفي أول ملك المعتصم استشهد عن عمر بلغ خمسا وعشرين سنة وثمانية عشر يوما.
أبوه الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، الإمام الهمام غريب طوس وسليل الدوحة العلوية المباركة، الذي اشتهر فضله وذاع صيته بين المحبين والمبغضين على حد سواء، أما أمه فهي أم ولد يقال لها: (سبيكة) أو (درة)، وقيل: إن الرضا (عليه السلام) سماها (خيزران)، وكانت نوبية -النوب: بلاد في السودان، ويقال: إنه اسم جبل فيها- وروي أنها كانت من بيت مارية أم إبراهيم بن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ويكفي في بيان ما لها من الفضل ما جاء عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله مبشرا بالإمام الجواد (عليه السلام): (يأتي بن خيرة الإماء بن النوبية الطاهرة الطيبة الفم المنتجبة الرحم..).
خصائصه ومناقبه (عليه السلام):
إن الإمام الجواد (عليه السلام) له الكثير من الفضائل العظيمة والمناقب الكريمة التي تعتبر من مختصاته المشهودة، وقد ورد الكثير من الأحاديث الشريفة التي تشهد على هذه الحقيقة، روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله: (.. من أحب أن يلقى الله عز وجل وقد رفعت درجاته وبدلت سيئاته حسنات فليتوال محمد بن علي الجواد..)[1].
وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: (والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ذكرا يفرق به بين الحق والباطل)[2]، وعنه (عليه السلام) في الجواد (عليه السلام) أيضا: (هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه)[3]، ولعل الكثير من هذه الأحاديث جاءت للدلالة على إمامة الجواد (عليه السلام)، لأن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يعلمون تماما ما سيُمتحن به الناس في إمامته (عليه السلام) بالنظر إلى صغر سنه، روي عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا (عليه السلام): قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر (عليه السلام) فكنت تقول: يهب الله لي غلاما، فقد وهبه الله لك، فأقر عيوننا، فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟! فقال: وما يضره من ذلك فقد قام عيسى (عليه السلام) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين[4].
وروي أن رجلا قال للإمام الرضا (عليه السلام): يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى أبي جعفر ابني، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر (عليه السلام)، فقال الرضا ابو الحسن (عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر(عليه السلام) [5]
من كراماته الباهرة:
مضافا إلى ما ورد في منزلة الإمام الجواد (عليه السلام) من أحاديث شريفة، فقد أجرى الله تعالى على يديه (عليه السلام) الكثير من الآيات الباهرات التي يُعد كل واحد منها دليلا وافيا على ولايته وعلى ارتباطه المباشر بعالم الغيب المقدس، من ذلك ما روي عن عمارة ابن زيد انه قال: رأيت محمد بن علي (عليه السلام) فقلت له: يا بن رسول الله ما علامة الإمام؟ قال: (إذا فعل هكذا) فوضع يده على صخرة فبانت أصابعه فيها، ورأيته يمد الحديد بغير نار ويطبع الحجارة بخاتمه[6]، وروي عن إبراهيم بن سعد أنه قال: رأيت محمد بن علي (عليه السلام) يضرب بيده إلى ورَق الزيتون فيصير في كفه ورِقا-أي نقودا- فأخذتُ منه كثيرا وأنفقتُه في الأسواق فلم يتغير[7] ، وروي عن محمد بن يحيى قال: لقيت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) على وسط دجلة فالتقى له طرفاه حتى عبر، ورأيته بالأنبار على الفرات فعل مثل ذلك[8] عن أمية بن علي قال: كنت بالمدينة وكنت أختلف إلى أبي جعفر (عليه السلام)، وأبو الحسن (عليه السلام) بخراسان، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه، فدعا يوما الجارية فقال: قولي لهم يتهيأون للمأتم، فلما تفرقوا قالوا: ألا سألناه مأتم من؟ فلما كان من الغد، فعل مثل ذلك فقالوا: مأتم من؟ قال: مأتم خير من على ظهرها، فأتانا خبر أبي الحسن بعد ذلك بأيام فإذا هو قد مات في ذلك اليوم[9].
شهادته (عليه السلام):
روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (يقتل ابني محمد (عليه السلام) غصبا، فتبكي عليه أهل السماء والأرض، ويغضب الله عز وجل على عدوه وظالميه، ولم يلبث إلا سنة حتى يحل الله به عذابه الأليم وعقابه الشديد الجسيم)[10].
ورد في التاريخ أن سبب شهادته (عليه السلام) أن أم الفضل بنت المأمون - لما تسرى ورزقه الله الولد من غيرها - انحرفت عنه، وسمته في عنب، وكان تسعة عشر عنبة، وكان يحب العنب، فلما أكله بكت، فقال لها: مم بكاؤك، والله ليضربنك الله بفقر لا ينجبر، وببلاء لا ينستر[11]. فبليت بعده بمرض في أغمض المواضع من بدنها، وأنفقت عليه ملكها حتى احتاجت إلى رفد الناس، فلم ينفعها شئ حتى ماتت.
ثم أن الإمام (عليه السلام) مكث والسم يجري في مفاصله حتى قبضه الله تعالى إليه مظلوما مهضوما في آخر شهر ذي القعدة سنة 220هـ، وقد روي أن ابنه الإمام الهادي (عليه السلام) وقف على قبره وقال: (وا أبتاه وا محمداه.. آه وا وحدتاه، وا قلة ناصراه، وا انقطاع ظهراه، ليتني كنت لك الفدا يا أبتاه من بعدك، وا وحشتاه، فراقك قد أعمى عيني وهيج حزني وقطع نياط قلبي، يا أبتاه أقرئ آباءك عني السلام وأخبرهم بما نحن فيه من الهوان، يا أبتاه مضيت عنا ولم يطل لك العمر وتبلغ الكهولة في الحياة يا أبتاه).
من غرر كلامه (عليه السلام):
روي عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنه قال: (من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده)[12].
وقال (عليه السلام): (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس)[13].
وقال (عليه السلام): (تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله هلكة، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون)[14].
وقال (عليه السلام): (لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العباد)[15].
وقال (عليه السلام): (المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه)[16].
زيارة الإمام الجواد (عليه السلام):
إذا أردت زيارته (عليه السلام) فقف على قبره وقبّله وقُل:
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَرَّ التَّقِيَّ الإمام الْوَفِيَّ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نَجِيَّ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَفيرَ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سِرَّ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ضِياءَ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَناءَ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا كَلِمَةَ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَحْمَةَ الله، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا النُّوُرُ السَّاطِعُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْبَدْرُ الطَّالِعُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الطَّيِّبُ مِنَ الطَّيِّبينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الطَّاهِرُ مِنَ الْمُطَهَّرينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْآيَةُ الْعُظْمى، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْحُجَّةُ الْكُبْرى، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْمُطَهَّرُ مِنَ الزَّلَّاتِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْمُنَزَّهُ عَنِ الْمُعْضِلاتِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْعَلِىُّ عَنْ نَقْصِ الْاَوْصافِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الرَّضِيُّ عِنْدَ الْاَشْرافِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَمُودَ الدّينَ، اَشْهَدُ اَنَّكَ وَلِيَّ الله وَحُجَّتُهُ في اَرْضِهِ وَأنَّكَ جَنْبُ الله وَخيَرَةُ الله وَمُسْتَوْدَعُ عِلْمِ الله وَعِلْمِ الْاَنْبِياءِ، وَرُكْنُ الاْيمانِ وَتَرْجُمانُ الْقُرْآنِ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مَنِ اتَّبَعَكَ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدى، وَاَنَّ مَنْ اَنْكَرَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْعَداوَةَ عَلَى الضَّلالَةِ وَالرَّدى، اَبْرَءُ إلى الله وَاِلَيْكَ مِنْهُمْ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَاَلسَّلامُ عَلَيْكَ ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.
لتحميل الملف اضغط هنا
[1] بحار الأنوار: ج27 ص108.
[2] الكافي: ج1 ص320.
[3] الكافي: ج1 ص309.
[4]الكافي: ج 1 / ص 321.
[5] الكافي: ج1 ص322.
[6] دلائل الامامة: ص399.
[7] دلائل الامامة: ص398.
[8] دلائل الامامة: ص398.
[9] بحار الأنوار: ج 49 - ص 310.
[10] الثاقب في المناقب: ص207.
[11] دلائل الامامة: ص 395.
[12] تحف العقول ص479.
[13] الكافي: ج ص434.
[14] الإرشاد ج2 ص205.
[15] مشكاة الانوار: ص71.
[16] تحف العقول: ص 457.