إذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم أنه سيقتل، فلماذا ذهب إلى كربلاء؟ أليس هذا إلقاء للنفس في التهلكة، وهو حرام بقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[1]؟!
يمكن الإجابة عن هذا التساؤل بعدة أجوبة: ـ
الأول: إن هذا الإشكال مبني على أن التهلكة المنهي عنها هي التهلكة الدنيوية، قتلٌ، وتعذيب، وما شابه ذلك، ولكن من الممكن ألا يراد منها التهلكة الدنيوية، بل المقصود هو الهلاك المعنوي، أي: الكفر وإلقاء النفس في الباطل، والعصيان، والانحراف الذي نتيجته دخول جهنم، والهلاك الأبدي.
الثاني: لو تنزلنا عن الجواب الأول وقلنا المراد من التهلكة هي القتل وما شابهه ولكن نقول: إن إلقاء النفس في التهلكة ليس محرَّماً على إطلاقه، وفي جميع الموارد؛ لأنه إذا كان بأمر الله تعالى فإنه يجب، ولهذا يجب على كل مسلم أن يفدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسه، ولو بإلقائها في التهلكة، كما يجب الجهاد في سبيل الله تعالى على كل مسلم، وإن علم أنه سيُقتل في ميدان القتال، فإن علمه بالقتل لا يسوِّغ له ترك الجهاد، أو الفرار عند الزحف.
الثالث: لو قلنا بحرمة التهلكة، فإنها إنما تحرم ما دام صدق العنوان موجوداً، والمفهوم العرفي والعقلي لها أن التهلكة هي الصعوبة البالغة دون نتيجة صالحة لتعويضها، فإذا طبقنا ذلك على حركة الإمام الحسين (عليه السلام)، فلاحظنا نتائجها الدنيوية والأخروية، لم تكن تهلكة بأي حال، بل تضحية في سبيل نتائج عظيمة ومقامات سامية في الدنيا والآخرة.
الرابع: من الثابت عند الشيعة الإمامية أن المعصومين (عليهم السلام) مسدّدون بالإلهام من قبل الله سبحانه وتعالى، ولذا لديهم نوعان من التكاليف: ظاهرية وباطنية.
التعاليم الباطنية ـ والتي يعرفونها بالإلهام ـ هي أهم وأخص من التعاليم الظاهرية، فلا يكون هذا المورد حراماً على المعصوم، بل يغدو واجباً بمقتضى الإِلهام الإِلهي الثابت لديه فيتقدم نحوه بخطوات ثابتة ممتثلاً أمر الله سبحانه وتعالى، وراجياً ثوابه الجزيل ببذل النفس في هذا السبيل، ولعل في قول السيدة زينب (عليها السلام) بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام): «رَبّنَا تَقَبّلْ مِنَّا هَذَا القُرْبَانَ» خير دليل على ذلك.
مجلة اليقين العدد (33)
[1] البقرة: 195.