نعم ورد في إحدى زيارات الإمام الحسين (صلوات الله عليه) المروية عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه) قوله عنه (عليه السلام): ((فأعذر في الدعاء، وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى والشك والارتياب إلى باب الهدى من الردى))[1].
وفي زيارته (عليه السلام) في يوم الأربعين عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً قال: ((فأعذر في الدعاء، ومنح النصح، وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة ...))[2]. وقريب منه ما ورد في زيارته (عليه السلام) ليلة عيد الفطر وفي عيد الأضحى[3].
وذلك صريح في أن الهدف من النهضة الشريفة هو التعريف بالدين على حقيقته، وإيضاح معالمه، ووضوح الحجة عليه، ورفع الارتياب والحيرة فيه، بِغضّ النظر عن تطبيقه عملياً في الواقع الإسلامي أو عدمه.
وقد يناسب ذلك ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث له مع أُبيّ بن كعب، من أنه قال له : ((إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، فإنه لمكتوب عن يمين عرش الله مصباح الهدى، وسفينة النجاة...))[4].
فإن الأئمة (صلوات الله عليهم) وإن كانوا كلهم هداة لدين الله تعالى وسفن نجاة الأمة، إلا أن تخصيص الإمام الحسين (عليه السلام) بذلك يناسب تميزه في هداية الناس، ونجاتهم من هلكة التيه والحيرة والضلال.
كما ورد عن الإمام الحسين نفسه (صلوات الله عليه) أنه ذكر في كلام له طويل دواعي خروجه وتعرضه للقتل، وقال في آخره: ((... (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) ))[5].
وربما تشير إلى ذلك العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام) فيما تقدم من قولها في أواخر خطبتها - في التعقيب على الأبيات التي أنشدها يزيد متشفياً، وهو ينكت ثنايا الإمام الحسين (عليه السلام) بمخصرته ـ : ((فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك. فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا ...))[6].
وذلك يكشف عن أن دين الإسلام الخاتم للأديان قد تعرض بسبب انحراف السلطة لخطر التحريف والتشويه، بحيث تضيع معالمه، ولا يتيسر الوصول والتعرف عليه لمن يريد ذلك، كما حصل في الأديان السابقة، وأن الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) قد واجه ذلك الخطر، ودفعه بنهضته المقدسة، وما استتبعها من تضحيات جسام.
[1] كامل الزيارات ص: ٤٠١ ، واللفظ له. تهذيب الأحكام ج : ٦ ص: ٥٩. المزار للمفيد ص: ١٠٨. وغيرها من المصادر.
[2] مصباح المتهجد ص: ۷۸۸ ، واللفظ له تهذيب الأحكام ج : ٦ ص: ١١٣. إقبال الأعمال ج : ٣ ص: ۱۰۲. وغيرها من المصادر.
[3] مصباح الزائر ص: ۳۳۲. المزار لمحمد بن المشهدي ص : ١٦٠. بحار الأنوار ج : ٩٨ ص: ٣٥٤.
[4] بحار الأنوار ج: ٣٦ ص: ٢٠٥ . واللفظ له. عيون أخبار الرضا ج: ٢ ص: ٦٢. كمال الدين وتمام النعمة ص: ٢٦٥. وغيرها من المصادر.
[5] اللهوف في قتلى الطفوف ص : ٤٢.
[6] راجع ملحق رقم (٤).