خلق الله الخلق المادي والمعنوي بتدبير وتنظيم، فهو الخالق الحكيم، لا يتصف فعله باللهو أو العبث أو اللعب.
قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[1].
وقل تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ)[2].
ومن تقديراته حركة الأرض حول نفسها في أربع وعشرين ساعة فينتج عنها الليل والنهار، وعلى تلك الساعات الأربع والعشرين تنتظم حياة الإنسان في أجزاء الليل والنهار.
بعد هذه المقدمة نشرع بالتحدث عن منتصف النهار وما هو أثره التنظيمي للإنسان.
لقد جعل الله تعالى وقت منتصف النهار وقتاً لأداء صلاة الظهر، وأوجبها على العباد، وفي هذا التوقيت تبرز مسألتان مهمتان في حياة الناس:
الأُولى: تصفية الشوائب التي تعلَق بنفس الإنسان في غمرة الحركة، فإنّ باستطاعتك أن تدرّس فرداً أو أفراداً من الناس؛ لترى الفرق الكبير بين حالتهم النفسية في الصباح، حينما توجّهوا إلى أعمالهم باسم الله وعلى بركته، وبين حالتهم النفسية قُرابة الظهر، وقد قطعوا شوطاً من العمل في طلب الرزق، والتعامل مع الناس.
أو أن تلحظ المحتوى النفسي لمجتمع استقبل يومه الجديد بالصلاة الصباحية، فخشع بين يدي الله تعالى، وتملّى وجوده وهدفه ومفاهيمه عن الحياة والسعي فيها وانتشر في أعماله، ثمّ تلحظ هذا المجتمع قُرابة الظهر، وقد أمعن فلّاحوه في حقولهم، وتجّاره في أسواقهم، وموظّفوه في دوائرهم، وعمّاله في أعمالهم، ومسؤولوه في تصريف أمورهم، لَتجد المسافة بين مشاعر الصباح ومشاعر هذه الساعة، فإنك سترى مجتمعاً استغرق في حركة السعي لرزقه، حتى كاد ينسى مفهومه عن السعي والروح الفرديّة قد تسرّبت في أفراده، حتى يكاد الواحد منهم أن ينحصر في جوّه ومشاغله الخاصّة، ناسياً بذلك وجوده المجموعي ومسؤولياته في ذلك.
إنّه داء يعاود الإنسان في غمرة علائقه بالدنيا، فيتهدّد مفهومه عن المال والذات، حتى تكاد تنفذ من قلبه شحنة المشاعر الجيّدة التي تلقّاها في الصباح، فلا يعيده إليها إلاّ نداءٌ يأتي من مختلف الجنَبات معلناً: (الله أكبر) لتتجاوب معه أعماق الضمير قائلة: نعم الله أكبر.
ضعيف هذا الإنسان عندما يستغرق في كدحه فينسى كدحه، ويستغرق في نفسه فينسى نفسه، ينسى أنّه موجود في زاوية من كون الله الكبير، وأنّه لا بدّ تاركٌ هذه الزاوية، وعائد إلى قلب الكون ليلاقي هناك ربّه وعمله.
ولذلك كانت صلاة الظهر نِعم الدواء، نِعم العون على الضعف والمنعش للنفس.
أما المسألة الثانية: فهي مسألة تحديد شوط العمل، فمن الواضح في المجتمع الإسلامي، أنّ أذان الظهر يعلِن انتهاء شوط العمل الصباحي، ويدعوا الناس لأداء فريضتهم وتناول غدائهم.
لقد أحكم الله سبحانه بقدرته خلْق الإنسان، فجعل نفسه وجسده يحتاجان إلى الطاقة في وقت معيّن، فالنفس تحتاج إلى استعادة طاقتها فتجدها في صلاة بين يديّ الله تبارك وتعالى.
والجسم كذلك يحتاج إلى الطاقة فيجدها في وجبة الغداء وربّما لشيءٍ من الراحة.
إنّ الصورة الإسلامية المفضّلة للعمل في الأرض، أن يكون انتصاف النهار نهاية لشوطِ الصباح، وبملاحظة البكور في النشور الذي تفرضه صلاة الفجر، فإنّ الدوام الرسمي يكون فترة واحدة تبدأ بطلوع الشمس أو بعده بقليل، وتنتهي بصلاة الظهر.
أمّا الأعمال الحرّة فتكون على فترتين:
أولاهما: فترة الدوام الرسمي.
والثانية: تبدأ بعد راحة الظهيرة وصلاة العصر، وتنتهي بصلاة المغرب، ثمّ يكون السكون والاستجمام.
ومن هنا ربما يظهر لنا أحد أوجه التأكيد على الصلاة الوسطى، وهي صلاة الظهر، فقد ورد عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «صلاة الوسطى صلاة الظهر، وهي أول صلاة أنزل الله على نبيه(صلى الله عليه وآله)»[3].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (41)