لو تتبعنا الأسس التي بنيت عليها الدولة في زمن النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) ومن بعده دولة الإمام علي(عليه السلام) لوجدناها الانموذج الإنساني الأرقى بامتياز، فقد وضعوا الأسس الكفيلة لتحقيق العدل الإلهي في أرضه وبين خلقه، إذ استطاعا وخلال فترة وجيزة أن يثبتا وبالدليل التطبيقي، إن الدولة والحكم ليس أي منهما الغاية أو الهدف، بل إنهما وسيلة لا أكثر ولا أقل والغاية من ورائهما سعادة الإنسان بما هو إنسان في الدنيا ونجاته في الآخرة، بلا تمعن في هويته الفرعية وانتماءه العرقي أو القومي أو مكانته الاجتماعية ورتبته ووظيفته...
والدول قديماً وحديثاً تصنف إلى صنفين دولة الحاكم ودولة الإنسان، فالأولى-دولة الحاكم- تجعل من الحكام الحلقة الأهم وبقاءه في سدة الحكم هو الغاية بتبريرات دينية أو قبلية أو غيرها، لذا تسخر كل إمكانيات الدولة لسعادة الحاكم وبطانته ولو كان ذلك على حساب بؤس الشعب الذي يعاني شظف العيش والتهميش والحرمان على كل المستويات المادية والمعنوية.
وكل أفعال الحاكم وبطانته تعتبر مشروعة في نظره ونظرهم غير قابلة للنقاش، ولا سبيل إلى القول بخطأ ينسب إليهم، بل يتم بشكل أو بآخر إظهار الاعتداء على الحقوق والحريات على أنه ضرورة حتمية.
والثانية -دولة الإنسان- حيث تجعل من الإنسان قيمة عليا تحترم إنسانيته بما هو إنسان، وتسخر كل إمكانياتها لإسعاده وإزدهاره ورقيه، إذ توفر له العيش الكريم في كل الظروف الزمانية والمكانية العادية وغيرها، فالعدل بين الناس أساس الملك، والمساواة تقوم بين الجميع في الحقوق والواجبات، ويتم انتقاء القيادة على أسس الكفاءة والنزاهة فحسب، والدولة التي أسس لها الإمام علي(عليه السلام) من هذا النوع.
وعلى ضوء ما روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو المسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في مال أبيه راع، وهو مسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»[1].
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: «اتَّقُوا الله فِي عِبَادِه وبِلَادِه، فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ والْبَهَائِمِ، أَطِيعُوا الله ولَا تَعْصُوه»[2].
إذن كلنا مسؤولون، ولكن قد تختلف دائرة المسؤولية سعةً وضيقاً ولا يخلو احدٌ منها فانه مسؤول عن نفسه اولاً بتهذيبها وإصلاحها ثم عن اسرته وعائلته ثانياً وعن أصدقائه وزملائه في العمل وعن جيرانه وعن مجتمعه إذا كان في موقع المسؤولية السياسية أو الدينية وهكذا الى أن تصل إلى ولاية أمور الامة والمسؤولية العامة عن الناس وإدارة امورهم ورعاية شؤونهم.
وبما إننا نتحدث عن الآداب الخاصة بالرئاسة ومن تصدى لها، لذا سنبين وباختصار ما ينبغي توفره فيه من خلال تتبع روايات أهل البيت(عليهم السلام) بهذا الشأن:
1- الرحمة: قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[3]. وفي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الاشتر لما ولاه مصر: (وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ)[4].
2- عدم العجب والمن: «وإِيَّاكَ والْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الإِحْسَانَ والتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ، والْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ الله والنَّاسِ، قَالَ الله تَعَالَى: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)»[5].
ولم يكتف الإمام(عليه السلام) بالمنع عن المن والتزيّد التي هي ممارسات وأفعال بل ذهب إلى النوايا التي تبقى داخل الإنسان أيضاً ولفت إلى خطورة حتى الشعور والإحساس بمثل ذلك، يقول(عليه السلام): «وإِيَّاكَ والإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ، والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وحُبَّ الإِطْرَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِه، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ»[6].
3- تحقيق العدالة في إثابة المحسن: عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى، ولَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِه، ولَا تُقَصِّرَنَّ بِه دُونَ غَايَةِ بَلَائِه، ولَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ، إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِه مَا كَانَ صَغِيراً، ولَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِه مَا كَانَ عَظِيماً»[7].
4- تحقيق العدالة في معاقبة المسيء: بالإضافة إلى الثواب هناك العقاب الذي ينبغي أن لا نغفله أيضاً لضبط الأداء والمحافظة على النظام وعدم حصول الفوضى والتهاون. وفي الرواية عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «لا تمنعنَّكُم رعاية الحق لأحد عن إقامة الحق عليه»[8]، وهذا أمر مارسه(عليه السلام) في أيام حكومته.
5- منع الاهانة: لكن كل ما ذكرناه من موضوع العقاب لا يعني سقوط حرمة المؤمن وإهانته، بل يجب مراعاة عدم الإهانة، والمحافظة على الجو الإسلامي الصحيح حتى في العمل العسكري وضمن التشكيلات العسكرية وكما يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): «وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك، وأكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك فإن ذلك أوجب للحجة وأصلح للرعية»[9].
6- التسامح: الكلام عن معاقبة المسيء لا يعني أن تتحول طبيعة العمل إلى مجموعة قوانين عقابية وأن تصبح القسوة هي الحاكمة في التعاطي مع المرؤوسين، بل ينبغي بقاء مساحة للتسامح واللين لا توصل إلى الفوضى ولكنها في نفس الوقت لا تلغي الليونة والفرصة الجديدة... يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): «فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ، مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ الله مِنْ عَفْوِه وصَفْحِه، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ ووَالِي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، والله فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ، وقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وابْتَلَاكَ بِهِمْ»[10].
7- المداراة واللين والرفق بهم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ»[11]، وعنه(صلى الله عليه وآله): «مُدَارَاةُ النَّاسِ نِصْفُ الإِيمَانِ والرِّفْقُ بِهِمْ نِصْفُ الْعَيْشِ»[12]، وعن أبي جعفر(عليه السلام) أنه قال: «إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ويُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ»[13].
وعنه (عليه السلام): «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قُفْلاً وقُفْلُ الإِيمَانِ الرِّفْقُ»[14].
وعن علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال: كان آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران(عليه السلام) أن قال له: «لا تعيرن أحداً بذنب، وإن أحب الأمور إلى الله عز وجل ثلاثة: ... والرفق بعباد الله، وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله عز وجل به يوم القيامة»[15].
قال تعالى مخاطباً نبيه الكريم موسى وأخاه هارونC: (اذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[16].
8- المشاورة والمشاركة في الرأي: قال تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[17]. ولأمير المؤمنين(عليه السلام) عشرات الكلمات في المشاورة منها قوله(عليه السلام): «الشركة في الرأي تؤدي الى الصواب»[18]، و«حقٌ على العاقل أن يضيف الى رأيه رأي العقلاء، ويضمَّ الى عمله علوم الحكماء»[19]، و«من شاور الرجال شاركها في عقولها»[20].
9- ايثارهم على النفس: قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[21]. فالأبوان يجوعان ليشبعا أطفالهما ويهجران لذيذ النوم من اجلهم ويشقيان في الحياة من اجل اسعادهم وهكذا يكون المسؤول كالوالد الرحيم للرعية وهذه الخصلة مما وصفت به السيدة الزهراء (عليها السلام) أمير المؤمنين(عليه السلام) في خطبتها حيث قالت: «ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل»[22].
10- سعة الصدر: ومن صفات المسؤول في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين(عليه السلام)
«آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ»[23].
11- القدوة: فالمطلوب من الرئيس والمسؤول أن يكون قدوةً بعمله لمرؤوسيه، يتقدم أمامهم ويقدم لهم النموذج العملي فقد روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ)[24]. ويقول (عليه السلام): (مَنْ نَصَبَ نَفْسَه لِلنَّاسِ إِمَاماً، فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِه قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِه، ولْيَكُنْ تَأْدِيبُه بِسِيرَتِه قَبْلَ تَأْدِيبِه بِلِسَانِه)[25]. وهذه الطريقة هي الطريقة المؤثِّرة التي تبعث الحيوية في المرؤوسين، فإن الاكتفاء بالتوجيهات اللفظية سيفقد العمل حيويته.
12- النصيحة: من لوازم موقع المسؤولية النصيحة فعن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (طلبت الرئاسة فوجدتها في النصيحة لعباد الله)[26].
13- أن يشيع روح العفو: اكد القرآن الكريم والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في منهاجه على مبدأ العفو في العلاقات الاجتماعية داخل الاسرة وخارجها بشكل عام، قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهَ لَكُمْ وَاللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[27] (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا)[28]، (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)[29]، (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(سورة البقرة: آية237)، (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)[30].
فالله تعالى رغم قدرته على العقاب وصف نفسه بأنه عفو، ونحن مأمورون بأن نتأدب بأدب الله تعالى: (وَللهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[31]. ونتخلّق بأخلاقه أي: باسمائه الحسنى: «تخلّقوا بأخلاق الله» (روضة المتقين، محمد تقي المجلسي: ج1، ص312). ففيها ناجى الله تعالى نبيه عيسى (عليه السلام): «طُوبَى لَكَ إِنْ أَخَذْتَ بِأَدَبِ إِلَهِكَ»[32].
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «رحم الله من أعان ولده على بره وهو أن يعفو عن سيئته ويدعو له فيما بينه وبين الله»[33].
وعن ابي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «عَلَيْكُمْ بِالْعَفْوِ فَإِنَّ الْعَفْوَ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إِلَّا عِزّاً فَتَعَافَوْا يُعِزَّكُمُ اللهَ»[34].
فعلى المسؤول والأب والمربي والمؤدب أن لا يلجأ إلى استعمال اسلوب العقوبة مباشرة، بل يوازن بين اسلوب العفو واسلوب العقوبة، فلعل اسلوب العفو عن العقوبة على السلوك غير المرغوب فيه يكون له فائدة أشد تأثيراً في العملية التربوية، وكذلك علاقة الإنسان مع مجتمعه وأهله وجاره وأصدقائه، لا بد أن تكون مبتنية على العفو والتسامح، لنعيش حياة مزدهرة وهادئة، تملأُها المحبة والعطف والأخوة.
وهكذا ينبغي للمسؤول اعانة رعيته على العفو والمحبة والتآلف والتكاتف، وكل ذلك يتوقف على أدائه لمسؤولياته كما ينبغي.
14- اشاعة روح التغافل عن أخطاء الآخرين: وذلك عن طريق غضّ النظر عّما فعلوا وكأنك لم تعلم بما صدر منهم من أخطاء، لكن مع الانتباه والمراقبة لما يفعلوا من طرف خفي، وقد ورد هذا المعنى في بعض روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال «نصف العاقل احتمال ونصفه تغافل»[35].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال، ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل»[36].
وعن الامام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام)، في وصية لإبنه الإمام الباقر(عليه السلام): «إعلم يا بني أن صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين: إصلاح شأن المعايش ملء مكيال ثلثاه فطنه وثلثه تغافل، لأن الإنسان لا يتغافل إلا عن شيء قد عرفه ففطن له»[37].
15- العدل والمساواة بين الرعية: ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ في قوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) ـ نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة، وأهل القدرة من سائر الناس[38].
16- ما فُرض على أئمة العدل: قال أمير
المؤمنين(عليه السلام): «إِنَّ اللهَ جَعَلَنِي إِمَاماً لِخَلْقِه فَفَرَضَ عَلَيَّ التَّقْدِيرَ فِي نَفْسِي ومَطْعَمِي ومَشْرَبِي ومَلْبَسِي كَضُعَفَاءِ النَّاسِ كَيْ يَقْتَدِيَ الْفَقِيرُ بِفَقْرِي ولَا يُطْغِيَ الْغَنِيَّ غِنَاه»[39].
وعنه (عليه السلام) أنه قال: «إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدّروا أنفسهم بِضَعَفَةِ الناس، كيلا يَتَبَيّغَ بالفقير فقره»[40].
وعنه (عليه السلام): «على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالاً في الأكل واللباس، ولا يتميزون عليهم بشيء لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكراً وتواضعاً»[41].
وعنه (عليه السلام): «لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يطعمها»[42].
وأخيراً ينبغي لمن تصدى للمسؤولية والرئاسة أن يلتفت لما يلي من أمور:
أولاً: أن يعلم الإنسان أن الرئاسة مسؤولية كبيرة وفيها من المشاكل الكثيرة، فإن لم يكن كفؤاً فلا يتقدم لها، ولا يطلبها، ولكن إن كان هدفه من الوصول إلى القيادة والرئاسة وجه الله عز وجل وإحقاق الحق، ونشر العدل، والإحسان، فلا مانع من ذلك بل يستحب أن يتقدم إلى الرئاسة حتى لا يترك مجالا لأصحاب الدنيا ولشياطين الإنس أن تكون بيدهم مقاليد السلطة والإمكانيات لتدمير الدين ونشر الفساد والظلم.
وثانياً: أن يعلم طالب الرئاسة ومن يحكم الناس أن لكل دولة برهة، وأنه كما جاءته الرئاسة يوماً فستذهب منه يوماً لغيره، فلو دامت لغيرك ما وصلت إليك.
وثالثاً: يحاول الحاكم في البلد أن يدعم، ويؤيد، ويساهم في كل عمل ينشر الأخلاق الحميدة بين الناس ويوجههم إلى طاعة الله، وعدم معصيته، ويبعد البلد عن كل شيء يساهم في نشر الفساد والرذيلة والأخلاق السيئة بينهم.
فمن أساء الأدب عاقبه بعد تنبيهه، ومن أحسن الأدب أكرمه وقدّمه، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام):«دولة الكريم تُظهر مناقبه»، وقال(عليه السلام): «دولة اللئيم تكشف مساوئه ومعايبه»[43].
وعنه (عليه السلام): «ثبات الدول بإقامة سنن العدل»[44].
وعنه (عليه السلام): «من بذل معروفه استحق الرئاسة»[45].
رابعاً: التصرف في الأموال ومقدرات البلد بما يراه الشرع، فعليه تسعي في عمارة البلدان وبذل الجهد في طلب مصالح الأمة المعمارية والاقتصادية والثقافية.
خامساً: يحافظ على أمن البلد وأمن الأفراد، ويعد للعدو ما استطاع من قوة، ويقيم حدود الله على مستحقيها من غير تجاوز ولا تقصير.
سادساً: اختيار المسؤولين التنفيذيين في البلد والنواب عن الحاكم من أهل الأمانة، والتجربة، والأخلاق، والفكر السديد.
[1] عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الاحسائي: ج1، ص129.
[2] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص242.
[3] آل عمران: آية 159.
[4] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص427.
[5] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص444.
[6] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص444.
[7] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص434.
[8] عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: ص229.
[9] الأمالي، الشيخ المفيد: ص269.
[10] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص428.
[11] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص117.
[12] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص117.
[13] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص119.
[14] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص118.
[15] الخصال، الشيخ الصدوق: ص111.
[16] سورة طه: آية43-44.
[17] سورة آل عمران: آية 159.
[18] عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: ص58.
[19] عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: ص58.
[20] عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: ص440.
[21] سورة الحشر: آية 9.
[22] الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: ج1، ص148.
[23] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص501.
[24] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص534.
[25] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص480.
[26] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج12، ص173.
[27] سورة النور: آية 22.
[28] سورة البقرة: آية 109.
[29] سورة البقرة: آية 219.
[30] سورة النساء: آية 149.
[31] سورة النحل: آية 60.
[32] الكافي، الشيخ الكليني: ج8، ص138.
[33] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج101، ص98.
[34] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص108.
[35] عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: ص499.
[36] تحف العقول، ابن شعبة الحراني: ص359.
[37] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج46، ص231.
[38] تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي: ج4، ص144.
[39] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص410.
[40] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج40، ص337.
[41] نهج السعادة، الشيخ المحمودي: ج2، ص490.
[42] كنز العمال، المتقي الهندي: ج5، ص773.
[43] عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: ص249.
[44] عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: ص217.
[45] عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: ص431.