آداب الضحك والمزاح في الإسلام

ان من عظمة هذا الدين وشموليته وسعته أنه ما ترك شيئاً في حياة المسلم إلا ونظّمه ورتّبه، وجعل له قواعد وضوابط يسير عليها ويلتزم بها، وذلك كلّه بأمر الله جل وعلا، وهدي رسوله(صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين(عليه السلام)، وإن مما يشتهر عند الكثير أن دين الإسلام دين كبت وحبس للنفس، فلا ضحك، ولا مزاح، ولا لعب، ولا متعة، فهو شيء بعيد عن واقع الإسلام وتعاليمه.

فان شمولية الإسلام تأبى إلا أن تبيح الترويح عن النفس، فللمِزاح وظيفة جميلة في حياة بني البشر، وهي تأليف القلوب، وتلطيف الجو، وإدخال الفرح على قلب جليسك الذي تحادثه ويحادثك.

ولكن المزاح مندوبٌ إليه بين الإخوة والأصدقاء ضمن ضوابط بحيث لا يتعدى إلى الخصومات، وبما لا أذىً فيه، ولا ضرر، ولا غيبة، ولا شَيْن، ولا انتقاص من الآخرين في عِرضٍ أو دين، ولا استخفافٍ بأحدٍ، فإذا خلا المزاح من هذه النواقص كان مزاحاً مباحاً، بل مندوباً إليه.

وان المذموم من المزاح هو الإفراط فيه والمداومة عليه، فإنه يسقط المهابة والوقار، وأما القليل الذي يوجب انبساط خاطر، وطيبة قلب، ولا يتضمن محرماً، فليس مذموماً، لقول رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (إني لأمزح، ولا أقول إلا حقاً)[1]. وروي أنه(صلّى الله عليه وآله) كان كثير التبسم، وكان أفكه الناس وروي عنه(صلّى الله عليه وآله) انه قال لعجوز: (لا تدخل الجنة عجوز)، فبكت العجوز، فقال: (إنك لست يومئذ بعجوز)[2].

بل هنالك تأكيد كبير في نظامنا الإسلامي الإجتماعي على الاحتفاظ بالوجه البشوش والمنشـرح، كأحد قواعد السلوك القويم في المجتمع الإسلامي الناجح، وفي نفس الوقت هنالك ذمٌ وتحذير من تقطيب الجبين وحالة العبوسية، سواءً داخل الأسرة أو بين أفراد المجتمع، وذكر في أوصاف المؤمن في الحديث المروي عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (الْمُؤْمِنُ: دَعِبٌ، لَعِبٌ، وَالْمُنَافِقُ: قَطِبٌ، وَغَضِبٌ)[3]، وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (ما من مؤمن إلا وفيه دعابة، وقيل ما الدعابة؟ قال: المزاح)[4].

وعنه(عليه السلام)  أنه قال لأحد أصحابه: (كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟) فقال الرجل: قليل، فقال الإمام(عليه السلام): (فلا تفعلوا، فان المداعبة من حسن الخلق، وانك لتدخل بها السرور على أخيك، ولقد كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يداعب الرجل يريد أن يسرّه)[5].

ولا بأس أن نذكر جملة من آداب الضحك والمزاح:

1. أن يقلل الضحك والمزاح: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب)[6].

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (من كثر ضحكه ذهبت هيبته)[7].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام)  أنه قال: (كثرة الضحك تميت القلب)، وقال(عليه السلام): (كثرة الضحك تميث الدين كما يميث الماء الملح)[8].

وعنه(عليه السلام): (كثرة الضحك تذهب بماء الوجه)[9].

2. أن يكون ضحكه تبسُّماً لا قهقهة: قال الإمام الصادق(عليه السلام): (ضحك المؤمن تبسّم)[10].

3. عدم الضحك من غير سبب: فذلك يعتبر من قلة الأدب. وكذلك فإن الضحك والمزاح في غير محلّه يسبب البغض والكره والإهانة.

4. عدم الكذب في المزاح: بل قول الصدق دائماً، وإلا صار مزاحاً محرماً.

5. عدم الضحك والمزاح عند صاحب المصيبة: بل يستحب التبسّم في وجه الخائف، أو صاحب المصيبة، للتخفيف عليه ويستحب أيضاً المزاح الصادق للترفيه عن المؤمن، والتخفيف عليه.

6. الدعاء بعد الضحك: يستحب لمن ضحك بصوت مسموع أن يقول بعد ضحكه: (اللهم لا تمقتني) فعن الإمام الباقر(عليه السلام): (إذا قهقهتَ فقل حين تفرغ: اللهم لا تمقتني)[11].

 


[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج16، ص116.

[2] تنبيه الخواطر ونزهو النواظر، ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري: ج1، ص112.

[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج74، ص153.

[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص663.

[5] المصدر السابق.

[6] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج74، ص72.

[7] المصدر السابق: ج74، ص285.

[8] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص664.

[9] المصدر السابق.

[10] المصدر السابق.

[11] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص664.