إنّ من أعظم وسائل تقوية التكافل الاجتماعي في الإسلام البذل والانفاق، وقد حث الله سبحانه عليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ)[1].
وبقوله تبارك وتعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[2].
والإنفاق في سبيل الله تعالى من أعظم التحديات التي تواجه الإنسان؛ لِحُبِّه الشديد للمال، وحرصِه عليه، وقد حذّر الله عباده قال تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللهَ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالله ُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[3].
آثار الصدقة:
قد حثّت الروايات على أهمية الصدقة وما لها من آثار، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((إن الصدقة وصلة الرحم تعمران في الديار وتزيدان في الأعمار))[4].
وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): ((ويدفعان عن سبعين ميتة سوء))[5].
وعنه (صلى الله عليه وآله): ((من كفى ضريراً حاجة من حوائج الدنيا ومشى فيها حتى يقضي الله له حاجته أعطاه الله براءة من النفاق وبراءة من النار وقضى له سبعين حاجة من حوائج الدنيا ولا يزال يخوض في رحمة الله عز وجل حتى يرجع))[6].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ((من تصدق في يوم أو في ليلة (إن كان يوم، فيوم، وإن كان ليل، فليل) دفع عنه الهدم والسبع وميتة السوء))[7].
وعنه(عليه السلام) قال: ((داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وأنا ضامن لكل ما ينوى في بر أو بحر بعد أداء حق الله فيه من التلف))[8].
وعنه(عليه السلام): ((من تصدق بصدقة إذا أصبح دفع الله عنه نحس ذلك اليوم))[9].
وعن النبي(صلى الله عليه وآله): ((إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تصل إلى يد السائل))[10].
وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال علي بن الحسين(عليه السلام): ((ضمنت على ربي أن الصدقة لا تقع في يد العبد حتى تقع في يد الرب، وهو قوله: (وهو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) ))[11].
بل إنّ رواية صرحت بأن كل أعمال ابن آدم تتلقاها الملائكة إلا الصدقة، فإنّها تصل مباشرة إلى يد الله سبحانه.
آداب الصدقة:
نورد بعض الآداب التي ينبغي الالتزام بها والتي هي:
1- عدم إهانة المحتاج بنظرة أو كلمة أو حركة تحزنه وتؤذيه، فعن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ((مكن استذل مؤمناً أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده شهره الله يوم القيامة ثم يفضحه))[12].
2- الكلام الحسن معه والتبسم في وجهه والدعاء له وتهدئته والتخفيف عليه، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): ((ما منع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سائلاً قط، إن كان عنده أعطى، وإلا قال: يأتي الله به))[13].
3- التركيز على الفقراء من الأرحام والأقرباء، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسراقة: ((ألا أدلك على أفضل الصدقة؟، قال: بلى بأبي انت وأمي يا رسول الله: فقال رسول الله: أفضل الصدقة على أختك أو ابنتك وهي مردودة عليك ليس لها كاسب غيرك))[14].
وروي أنه: ((لا صدقة وذو رحم محتاج))[15].
4- أن لا يفضحه أمام الناس، وإن أمكن أن يعطيه خفية فذلك أعز له والأفضل أن لا يراه الفقير أصلاً بل يرسل له المساعدة بأي شكل من الأشكال.
قال الإمام الحسين (عليه السلام): ((صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك فاكرم وجهك عن رده))[16].
5- إقراض الفقير أفضل من إعطاء الصدقة له لأن في إقراضه وإمهاله مدة معينة سهلة حتى يرد ما أخذه دعوة له إلى البحث من عمل وذلك أعز له.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشرة وصلة الإخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين))[17].
6- يستحب الاهتمام بصناعة المعروف، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): ((إن أول من يدخل الجنة المعروف وأهله وأول من يرد علي الحوض))[18].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): ((من حق المؤمن على أخيه أن يشبع جوعته ويواري عورته ويفرج عنه كربته ويقضي دينه فإذا مات خلفه في أهله وولده))[19].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): ((أيما مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفاً فقد أوصله إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ))[20].
7- لا تستحي من إعطاء القليل فهو خير من الحرمان، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): ((لا تستحي من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه))[21].
8- لا تردن سائلاً، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): ((لا تردن سائلاً ولو بشق تمرة أو من شطر عنب))[22].
وعنه (عليه السلام): ((إن المسكين رسول الله فمن منعه فقد منع الله، ومن أعطاه فقد أعطى الله))[23].
وعن الإمام الباقر(عليه السلام): ((ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد احد احداً))[24].
9- كن ممن انتجبهم الله سبحانه وتعالى، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): ((إن الله خلق خلقاً من عباده فانتجبهم لفقراء شيعتنا ليثيبهم بذلك))[25].
10- أفضل الصدقات صدقة السر، قال الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)[26]، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))[27].
[1] البقرة: 254.
[2] البقرة: 274.
[3] آل عمران: 180.
[4] مكارم الأخلاق: ص388.
[5] بحار الأنوار: ج71، ص81.
[6] البحار: ج71، ص388.
[7] مكارم الأخلاق: ص388.
[8] مكارم الأخلاق: ص388.
[9] مكارم الأخلاق: ص243.
[10] عوالي اللئالي: ج2، ص70.
[11] البحار: ج93، ص129.
[12] مشكاة الأنوار للطبرسي: ص228.
[13] الوسائل: ج6، ص291.
[14] البحار: ج71، ص103.
[15] الفقيه: ج4، ص369.
[16] البحار: ج44، ص196.
[17] مكارم الأخلاق: ص135.
[18] مكارم الأخلاق: ص136.
[19] مشكاة الأنوار: ص336.
[20] مكارم الأخلاق: ص136.
[21] نهج البلاغة: ص479.
[22] البحار: ج74، ص268.
[23] نهج البلاغة: ص529.
[24] البحار: ج93، ص155.
[25] البحار: ج71، ص419.
[26] البقرة: آية271.
[27] مكارم الأخلاق ص137.