التزاور في الإسلام آدابه وآثاره وأهدافه

التزاور دعوة أكّد عليها رسول الإسلام وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، انطلاقًا من الدور الاجتماعيّ الذي رسمه الله تعالى للإنسان في هذه الحياة.

وهو من أهم المظاهر الاجتماعية التي دعا الإسلام إليها، وانه من الواجبات التي يقوم بها الفرد تجاه أخيه المسلم، ووراء هذا التزاور أهدافٌ وآثارٌ أهمها زيادة المحبة والألفة والتودد بين الناس، وإزالة العداوة والبغضاء من قلوبهم.

ولعل التزاور يصير أكثر إلزاماً وضرورة عندما تكون هناك مناسبة خاصة، فإنه يتوجب على المؤمن أن يشارك الناس أفراحهم ويخفف عنهم آلامهم، وقد كثرت الأحاديث الشريفة التي تحثّ وتؤكد على فضل التزاور وآثاره المهمة، فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (أكرم أخلاق النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، التزاور في الله...)[1].

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (أنتم في تزاوركم مثل أجر الحاجين)[2].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (تزاوروا، فإن في زيارتكم إحياءً لقلوبكم، وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم)[3].

ثواب الزيارة:

ضمن سياسة الترغيب التي انتهجها الإسلام وردت الكثير من الروايات المبيّنة لثواب زيارة المؤمنين بقيمة عظيمة هي أنّ زائر المؤمن هو زائر الله، فعن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (من زار أخاه في بيته قال الله عزّ وجلّ له: أنت ضيفي وزائري، عليّ قراك (قراك: أي ما يعد للضيف) وقد أوجبتُ لك الجنة بحبك إياه)[4].

وعن الإمام زين العابدين(عليه السلام): (من زار أخاه في الله طلباً لإنجاز موعود الله، شيّعه سبعون ألف ملك، وهتف به هاتف من خلف: ألا طبت وطابت لك الجنة، فإذا صافحه غمرته الرحمة)[5].

وعن الإمام الباقر(عليه السلام): (إن لله جنة لا يدخلها إلا ثلاثة: رجل حكم في نفسه بالحق، ورجل زار أخاه المؤمن في الله عز وجل، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله)[6].

وعنه(عليه السلام): (إن المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره فيوكل الله عز وجل به ملكاً، فيضع جناحاً في الأرض، وجناحاً في السماء يظله، فإذا دخل إلى منزله نادى الجبار تبارك وتعالى: أيها العبد، المعظم لحقي، المتبع لآثار نبيي، حق عَلَيّ إعظامك، سلني أعطِك، ادعُني أُجبْكَ، اسكت أبتدئْكَ، فإذا انصرف شيّعه الملك يظله بجناحه حتى يدخل إلى منزله، ثم يناديه تبارك وتعالى: أيها العبد، المعظم لحقي، حق علي إكرامك، قد أوجبتُ لك جنتي، وشفعتك في عبادي)[7].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (لَزيارة المؤمن في الله خير من عتق عشر رقاب مؤمنات، ومن أعتق رقبة مؤمنةً وقى كل عضو عضواً من النار، حتى أن الفرج يقي الفرج)[8].

وعنه(عليه السلام): (أيما ثلاثة مؤمنين اجتمعوا عند أخ لهم، يأمنون بوائقه، ولا يخافون غوائله، ويرجون ما عنده، إن دعوا الله أجابهم، وإن سألوا أعطاهم، وإن استزادوا زادهم، وإن سكتوا ابتدأهم)[9].

وفي المقابل حَذَّرت الروايات من الهجران بين الأخوان المؤمنين، جاء في وصية رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لأبي ذر: (يا أبا ذر، إياك وهجران أخيك، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران، يا أبا ذر، إياك عن الهجران وإن كنت لا بد فاعلاً، فلا تهجره ثلاثة أيام كَمَلًا، فمن مات فيها مهاجرا لأخيه كانت النار أولى به)[10].

شرط ثواب الزيارة:

غير خافٍ ما تضمّنه الحديث السابق من عظيم الثواب الذي يناله الزائر، لكن بشرط أن تكون الزيارة لا لمصلحة دنيويّة من دون الله، بل أن تكون لله تعالى، وهذا ما بيّنته عدّة روايات منها:

1. عن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوار الله، وكان حقيقاً على الله أن يُكرم زائره)[11].

2. عن الإمام الصادق(عليه السلام): (من زار أخاه في الله قال الله عزّ وجلّ: إيّاي زُرتَ، وثوابك عليّ، ولستُ أرضى لك ثواباً دون الجنّة)[12].

3. عن الإمام الصادق(صلّى الله عليه وآله): (من زار أخاه لله لا لغيره، التماس موعد الله، وتنجّز ما عند الله، وكلّ الله به سبعين ألف ملك ينادونه: ألا طِبتَ، وطابتْ لك الجنّة)[13].

4. وعنه(عليه السلام): (من زار أخاه في الله، ولله جاء يوم القيامة يخطر بين قباطي من نور (أي: ثياب بيض رقيقة من نور) لا يمرّ بشيء إلّا أضاء له، حتى يقف بين يدي الله عز وجل، فيقول الله عزوجل له: مرحبا، وإذا قال: مرحبا أجزل الله عز وجل له العطية)[14].

أهداف الزيارة:

ورد في العديد من الروايات الشريفة عن النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار(عليهم السلام) الحَثّ الشديد على التزاور، والتآلف، والمودة بين المؤمنين، وإدخال السرور على قلوبهم، وقضاء حوائجهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، ومواساتهم في السراء والضراء، فعن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)
 أودعه فقال: (يا خيثمة، أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيهم على فقيرهم، وقويّهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيّهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإنّ لُقيا بعضهم بعضاً حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا)[15].

ولا يعذر المؤمن من التزاور والتواصل مع المؤمنين وإن كان بعيداً ولو من خلال المراسلة، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): (التواصل بين الإخوان في الحضر التزاور، وفي السفر التكاتب)[16].

وكل ذلك الحث على التواصل والتزاور من أجل أن لا يفقد المجتمع المسلم أواصر التراحم والتوادد فإن سر قوة المجتمع المسلم هو انه مجتمع مبتني على التراحم والتوادد والتواصل.

وقد رسمتْ لنا الأحاديث الواردة عن النبيّ الأعظم وأهل بيته الطيبين(عليهم السلام)
ما للتزاور من أهداف يمكننا ذكر جانب منها من خلال العناوين الآتية:

1. تغذية العاطفة: لا يخفى أنّ للإنسان حاجات نفسيّة لا تقلّ شأناً عن الحاجات الجسديّة، والتواصل الاجتماعيّ له أثر كبير في التغذية النفسيّة العاطفيّة المطلوبة، من هنا ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (لقاء أهل الخير عمارة القلب)[17]، والزيارة هي من المصاديق الجميلة لهذا اللقاء والتواصل الذي يغذّي هذه العمارة القلبيّة، وهذا ما أشار إليه الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله) فيما ورد عنه: (الزيارة تُنبت المودّة)[18].

2. تطوير الوعي: أشارت بعض الأحاديث إلى ترشيد زيارة المؤمنين بتنضيج العقول؛ لإيجاد ونشر الوعي في المجتمع من خلال الأحاديث التي تُطرح في الزيارة، فيكون فيها المغنم في إيجاد حالة النضوج العقليّ بين الناس، فعن الإمام الهادي(عليه السلام): (ملاقاة الأخوان نشرة (أي: الرقية التي يعالج بها المريض والمجنون) وتلقيح العقل، وإن كان نزرًا قليلاً)[19].

3. نشر الهداية: دعا أهل البيت(عليهم السلام) إلى اغتنام اللقاءات والزيارات بإحياء أمرهم من خلال الحديث عن الإسلام المحمّدي الأصيل، وإبقاء شعلته وضّاءة في المجتمع، فعن الإمام الباقر(عليه السلام): (تزاوروا في بيوتكم، فإنّ ذلك حياة لأمرنا رحم الله عبدًا أحيا أمرنا)[20].

إبليس وزيارة المؤمنين:

ممّا تقدّم نفهم سبب انزعاج إبليس من التزاور بين المؤمنين والذي ورد فيه عن الإمام الكاظم(عليه السلام): (ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده مِنْ زيارة الأخوان في الله بعضهم لبعض)[21].

 

نصائح للزائر:

بعد التأكيد على كون القصد من الزيارة التقرّب إلى الله، تعالى دعت الأحاديث إلى مراعاة الأمور الآتية:

1. زيارة الأخيار: عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إذا زرت فزر الأخيار، ولا تزر الفجّار)[22].

2. تخفيف الزيارة: عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (إغباب الزيارة أمان من الملالة)[23].

نصائح للمزور:

1. الترحيب بالزائر: إنّ الترحيب بالزائر يشعر بأنّ المزور سعيد بالزيارة، ولو كان هذا الترحيب عبر ملامح الوجه، ففي حديث أدب اللقاء عن النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (تلقى أخاك ببشر حسن)[24].

2. الأناقة: إنّ تزيّن المزور بمناسبة قدوم الزائر إليه يشعر الأخير بالاهتمام به، ممّا يزيد أواصر العلاقة، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (ليتزين أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه)[25].

3. كرم الضيافة: فعن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (إنّ الله تعالى كريمٌ يحبّ الكرم)[26]، والكرم -كما يفهم من الحديث الوارد عن الإمام عليّ(عليه السلام)- يتحقّق بأن يأتي المزور بما لديه للزائر، ففي الحديث عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (الكريم من جاد بالموجود)[27].

ومن المعيب أن يتذمّر المزور من ضيافة الزائر خوفاً من نقصٍ في رزقه، فقد ورد عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (إن الضيف إذا جاء فنزل بالقوم جاء برزقه معه من السماء، فإذا أكل غفر الله لهم بنزوله عليهم)[28].

 


[1]  دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي: ج2، ص106.

[2]   مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، علي الطبرسي: ص363.

[3]   الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص186.

[4]   المصدر السابق: ج2، ص177.

[5]   مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، علي الطبرسي: ص363.

[6]   المصدر السابق: ص364.

[7]   الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص178.

[8]  المصدر السابق.

[9]   المصدر السابق.

[10]  وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج12، ص264.

[11]   بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج72، ص364.

[12]  الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص176.

[13]  المصدر السابق: ج2، ص175.

[14]  المصدر السابق: ج2، ص177.

[15]  الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص175.

[16]  المصدر السابق: ج2، ص670.

[17]   بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج74، ص208.

[18]   بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج71، ص355.

[19]  الأمالي، الشيخ المفيد: ص329.

[20]   الخصال، الشيخ الصدوق: ص22.

[21]    الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص188.

[22]    بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج75، ص202.

[23]    غرر الحكم، الآمدي: ح3139.

[24]    مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج9، ص119.

[25]    الخصال، الشيخ الصدوق: ص612.

[26]    كنز العمال، المتقي الهندي: ج6، ص347.

[27]    عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي: ص27.

[28]    الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص284.