دور الأم في نمو شخصية الأولاد

الجميع يعرف أنّ الطفل يكتسب لغة الكلام ممّن يحيطون به، كما يكتسب سلوكه بتقليد القريبين منه، فهو يدخل الحياة خالياً من كلّ شيء، فيكون قابلاً للتأثيرات الخارجية بلا صعوبة، ولأنّ الأُمّ أكثر قرباً به من غيرها، فإنّها تعتبر المؤثر الأول في سلوكه  وبناء شخصيته في المستقبل.

إنّ الطفل يلاحظ ملاحظة دقيقة تصرفات أُمّه وحركاتها منذ ولادته، يتطوّر ذلك إلى المحاكاة والتقليد، وهو يخزن الكثير من الانطباعات عن سلوك المحيطين، وخاصة الأُمّ.

هذا الخزين يكون له مصدر إلهام للسلوك مع ما يمرّ به من مواقف، وكثير من العظماء تحدّثوا عن ما علق بذاكرتهم من مواقف في صغرهم، كان لها أثر في شخصياتهم وهم كبار.

لذا فإنّ الأُمّ الواعية، تستطيع أن تصنع شخصيات أبنائها في مستوى مرموق انطلاقاً من هذه الحقيقة الإيجابية.  

لقد وردت في القرآن الكريم شخصيات عظيمة لم يكن لآبائهم التأثير الذي كان عند الأُمّهات، كما في قصة نبي الله موسى عليه السلام ، وظروف ولادته ونشأته؛ إذ ذكر دور أُمّه في حياته، دون إشارة أو ذكر لأبيه عمران، مع مع أنّه كان حيّاً عند ولادة النبي موسى عليه السلام .

كذلك نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام ، لم يكن له أب، وانفردت أُمّه برعايته وتربيته، وهما من الشخصيات المقدّسة في القرآن الكريم.

لا توجد أُمّ لا ترغب بالخير لولدها، وتتمنّى له النجاح والتقدّم، وهذا يفرض عليها أن تدرك أنّ ذلك مرتبط بحسن تربيتها، وطبيعة رعايتها واهتمامها بطفلها، أمّا الاعتماد على الظروف والمواقف فلا ضمان معها من الضياع.

وليس معنى هذا إنكار أهمية الأب، أو تجاهل دوره في تربية الأبناء، لكن نركز على الأُمّ باعتبارها الأكثر التصاقاً بالولد، خاصّة في السنوات التأسيسية الأولى لتشكيل شخصية الإنسان.

لذلك نجد تأكيد النصوص الدينية على مكانة الأُمّ، ورعاية حقّها الكبير على الإنسان، فأتعابها وتضحياتها تجاه الولد لا يقارن بجهد آخر، حتى جهد الأب.

إنّ الجهد والعناء الذي يرتبط بمهمّة الأُمومة من حمل وولادة ورضاعة وحضانة، فيه نوع من الخطورة والعناء والمشقّة، إذ يُعبِّر عنه القرآن الكريم تارةً أنّه (كره) قال تعالى: (...حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً...) (الأحقاف: آية 16)، وتارة يعبر عنه بالوهن  (...حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ...) (لقمان: آية 14).

لكن عدل الله وحكمته جعل في هذه الأنثى مؤهلات دور الأُمومة، متمثّلة في صفات نفسية فطرية لا يمكن تحصيلها بالكسب والتدريب، تلك التي تعينها على تحمّل العناء والمشقّة وهي مسرورة غاية السرور. 

ودور الأُمّ غير قابل للبديل أو التكرار، فلا زوجة أب أو مربية أطفال ترقى أن تكون نائباً كاملاً عن الأُمّ، بل لا يستطيع أحد تمثيل دورها على نحو التقمّص والمحاكاة.   

أمّا الوظيفة المناطة بالأُمّ بتلك المؤهلات فهي تشكيل وتأليف شخصية الطفل ليكون الرجل الصالح الذي ينتظره المستقبل، ولابدّ للأُمّ من أن تحسن أداء هذه الوظيفة، ولا فرق في ذلك بين الجاهلة والمتعلّمة، صنعت رجالاً فاعلين عظماء - كما تقدّم -  بلا مقابل أو مكافأة.

ومن الجدير الإشارة إلى أمر مهم، وهو أنّ الذي تعيشه أغلب المجتمعات في هذا العصر، هو محاولات تخفيف دور الأُمومة عند النساء، بطريق التركيز على الاهتمامات المادية، على حساب الفطرة الإنسانية؛ إذ انتشرت الأفكار والتصورات التي لا تقيّم دور الأُمومة وتستخف به، في مقابل الإشادة بالأعمال الوظيفية الأُخرى، التي تحثّ المرأة على القيام بها، وكان لوسائل الإعلام والنشر المرئية والمقروءة دور في هذه الحالة غير الصحيحة في المجتمع الإنساني، حتى أنّ بعض النساء يشعرنَ بالخجل، من انحصار دورها على القيام بمهمّة الأُمومة، بينما الوظيفة مدعاة للفخر والاعتزاز.

نعم، لا مانع من عمل المرأة في أيّ مجالٍ من مجالات الحياة، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب دور الأُمومة، وليس من الصحيح أبداً الاستهانة بقيمة هذا الدور.

أخيراً، يجب أن تهتم الأُمّ  - إضافة إلى الجانب العاطفي - بغرس بذور الاستقامة والصلاح في شخصيات أولادها، وهي بسلوكها وسيرتها تستطيع أن تكون أنموذجاً يحاكيه أولادها، فاهتمامها بالمعرفة، والتزامها بالخلق القويم، وأداؤها للواجبات الدينية، ينمي في نفوس أبنائها نفس هذه التوجهات، ويدفعهم للأخذ بها.

كما أنّ تقديم النصائح والإرشادات، وشرح حقائق الحياة بصورة واضحة، يُسهم كثيراً في بناء شخصياتهم المستقبلية.