إنّ الدوْرَ التربوي الذي تؤدّيه الأسرة تجاه أبنائها يعتمد على الحالة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية السائدة داخل الأسرة كذلك على طبيعة العلاقات بين الزوج والزوجة من جهة، وعلاقتهما مع الأبناء من جهة أخرى.
فهناك أسرة يسودها الانسجام التامّ، والاحترام المتبادل بين الوالدين وسائر الأبناء، ولا يعانون من أيّة مشكلات سلوكية بين أعضائها الذين يشتركون جميعاً في الالتزام بالقيم السامية التي تحافظ على بناء وتماسك الأسرة، وتتميّز هذه الأسرة بالقدرة على حلّ المشاكل والصعوبات التي تواجهها بالحكمة والمحبة والتعاطف صغاراً وكباراً. ذلك أنّ الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة، من أهمّ مقوّمات الاستقرار في حياتها، ومتى ما كانتْ الأسرة من هذا النوع فإنّ تأثير ذلك سينعكس بكلّ تأكيد بشكل إيجابي على تربية الأطفال ونشأتهم.
أجمعتْ الأنظمة والنظريات القديمة والحديثة أنّ التربية في مرحلة الطفولة أحد الأسس المهمّة في إرساء قواعد الأخلاق والقيم بصفة عامة، وتعويد الصغار عليها، ولكي يكون الفرد فاضلاً يوماً ما، كان من الضروري أن تكون أسرتُه قد أحسنت تربيته في البداية، وأنْ يكون منذ صغره قدْ أَلِفَ الخير واعتاد على فضائل العادات وأحسنها، فمرحلة الشباب عند الجنسين تتأثّر بالمعايير والعادات الخلقية التي نشأوا عليها في مرحلة الطفولة، ويكون عندهم الميل إلى الالتزام بها، وعدم مخالفتها، إلا أن هذا - رغم أهميته - غير كاف، وهذا الموروث الطفولي لا يؤهلهم للقيام بالمهامّ المطلوبة منهم في المستقبل؛ لأنّه في علم الاجتماع والتربية عندنا عدّة بديهيات منها: أنّ التربية عملية مستمرة دائمة، مرتبطة بحياة الفرد في جميع مراحلها، لا تختص بمرحلة دون أخرى، وإن اختلفت الأدوات والبرامج في كل مرحلة، لذا نستطيع القول أنّ التربية التي لم تبدأ منذ الطفولة لا تتحقق أهدافها بصورة جيدة، فكذلك التربية التي لا امتداد لها لن تحقق أهدافها بصورة حسنة.
وليس هناك تحديدٌ ثابتٌ لمرحلة معينة بل يعتمد ذلك على ظروف الأسرة والمجتمع فقد تمتدّ مرحلة من مراحل التربية عند الإنسان فترة أطول، تصِلُ في بعض المجتمعات إلى الثلاثين أو أكثر، يحيا فيها الشابّ معتمداً على أسرته، بسبب تعقيد وصعوبة الحياة الصناعية، وزيادة طرائق المجتمع ووسائله في مواجهة مطالب الحياة، وهذا الأمر يزيد من مهام الأسرة وما يقع عليها من المسؤولية، ويؤكّد دورها في مرحلة الشباب، وأهمّيتها في ترسيخ المفاهيم الخلقية الصحيحة لدى الجيل الجديد، وتهيئة الأجواء التربوية لتفعيلها وتنميتها بصورة أعمق وأوسع، وعدم الاكتفاء بالتلقين والتقليد السابق في مرحلة الطفولة، أو الاعتماد على دور المدرسة، بل يكون التأكيد على دور الأسرة في هذا المجال، خصوصاً والمجتمع الإسلامي يواجه اليوم هجمة فكرية قوية في طليعة أهدافها تقويض بناء الأسرة، وتحطيم كيانها وهدم أواصر عناصرها.
لقد أكدّت كثير من الدراسات: أنّ غالبَ المنحرفين من الأحداث والشباب يأتون من بيوت مفكّكة، وأن هناك علاقة طردية بين الوضع العائلي المضطرب وجنوح الأحداث، فأغلب سلوك الشباب لا يتكلفونه من تلقاء أنفسهم، إنما هو انعكاس لتأثير البيئة الاجتماعية من حولهم، ويمكن القول أنّ مرحلة البلوغ ليست هي سبب الاضطرابات النفسية والاجتماعية دائماً، وليس هناك علاقة بين البلوغ ودواعي الانحراف، إنما يكون ذلك عندما تفقد البيئة دورها التربوي، تتهيأ لهم أسباب الانحراف، وهنا يبرز دور الأسرة؛ إذ تُشكِّل عنصراً أساساً وفعَّالاً في ضبط سلوك الشباب وتوجيههم.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (25)