يُبتلى بعضُ الناس بعاهة أو نقصٍ بدني، سواء كانت تلكَ العاهةُ وِلاديّةً أو عارضةً خلال الحياة، لمرضٍ أو حادثٍ ما، مما يُفقده الحياة الطبيعية للإنسان السليم.
في مثل هذه الحالات لا ينبغي للإنسان أنْ يستسلم للإحباط واليأس من الحياة، فإنّ ذلك يضاعِف ما به من العجْز ويقتل نسبة الأمل، التي يعيش فيها ويجعل حياته ألم في ألم، بل لابدّ له من التعامل مع الواقع بعدة معطيات:
1ـ الرضا بالقضاء والقدر:
ومعناه أن الله تعالى لا يقضي إلا بالحق، قال تعالى:( وَالله يَقْضِي بِالْحَقِّ... )[1]، كما رُوى عن النبي(صلى الله عليه وآله) قوله: (قال الله جلَّ جلاله: مَن لَم يَرضَ بِقَضائي، ولَم يُؤمِن بِقَدَري، فَليَلتَمِس إلها غَيري)[2]، وهو تعالى لا يفعل غير المصلحة، فعن الإمام الباقر قال: (في قَضاءِ الله كُلُّ خِيَرٍةٍ لِلمُؤمِنِ)[3]، وعن رسول الله قال: (عَجَبا لِلمُؤمِنِ لا يَقضِي الله عَلَيهِ قَضاءً إلّا كانَ خَيراً لَهُ، سَرَّهُ أو ساءَهُ، إنِ ابتَلاهُ كانَ كَفَّارَةً لِذَنبِهِ، وإن أعطاهُ وأكرَمَهُ كانَ قَد حَباهُ) حكم النّبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)[4].
2ـ تنمية المواهب والمهارات:
أحياناً العاهة لا تقتل الموهبة والمهارة، والسليم والسقيم في ذلك سواء بحسب القدرات، فعلى الإنسان في البداية اكتشاف مواهبه ومهاراته، ويحاول تنميتها وتوظيفها في صقل شخصيته، وإطلاق عنان قدراته، فإن ذلك طريق النجاح.
وهنا يأتي دور الآباء والأمهات في اكتشاف ما لدى أولادهم المعاقين من مواهب ومهارات، ومساعدتهم بشتى الوسائل، ليتمكنوا من تجاوز الآثار السلبية للعاهات والأمراض على شخصياتهم، فكثير من المعاقين استطاعوا تحقيق نجاحات قد يعجز عنها الإنسان السليم.
3ـ القدرة على التميّز والإبداع:
العاهة قد تفجّر الإبداع، والابتكار، والاختراع، وتقوّي في النفس إرادة التحدّي، فواجهوا الحياة بإرادة قوية، حيّة وفعّالة، وكثير من ذوي العاهات استطاعوا أن يحقّقوا إنجازات عظيمة، في جميع المجالات، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهذا أبو العلاء المعري: فقد بصره في الرابعة من عمره، ومع ذلك استطاع أن يحرز مرتبة عالية في الفلسفة والأدب، حتى عُدَّ من أكابر شعراء اللغة العربية.
كذلك أديسون كان مصاباً بالصمم، لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون من أهمّ المخترعين في العالم.
فليست الإعاقة دائماً تكون مانعاً للإنسان عن التقدم والتميز، بل قد تدفع بالمعاق للشعور بالتحدّي، وامتلاك إرادة النجاح.
4ـ تشجيع المعاقين على العطاء والإنتاج:
وهذه وظيفة كلّ من المجتمع والدولة الحاكمة فلا يخفى دور التشجيع في زيادة الإنتاج والعطاء لأي إنسان، والمعاقين أكثر من غيرهم في حاجتهم الى التشجيع لدفعهم نحو العطاء.
أما الاستهانة بالمعاق، والنظر إليه وكأنه عالة على المجتمع، فهذا يخلق لديه شعوراً بالنقص والدونية، ويقضي على القدرات والمواهب التي منحه الله إياها، ولذلك على المجتمع والأهل والأقارب النظر إلى المعاق كإنسان محترم، وتشجيعه على القيام بالعطاء والإنتاج بحسب ظروفه وإمكاناته، وقد يستطيع المعاق أن ينتج ويعطي أفضل من السليم إذا ما وَجد التشجيع الكافي، والتحفيز نحو العطاء.
وينقل لنا التاريخ قصّة لتشجيع الإمام الصادق(عليه السلام) أحد أصحابه (يونس بن عمار) الذي أصيب بمرض في وجهه، فقد ظهرت بقع بيضاء في وجهه، وكان يضيق ذرعاً بالكلمات الصادمة من الناس، فقد كانوا يقولون له: لو كنت أهلاً لفضل الله، وكان الدين بحاجة إليك لما ابتليت بهذا الداء، فجاء إلى الإمام الصادق(عليه السلام) وقال: (إِنَّ هذَا الَّذِي ظَهَرَ بِوَجْهِي يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ اللهَ لَمْ يَبْتَلِ بِهِ عَبْداً لَهُ فِيهِ حَاجَةٌ، قَالَ: فَقَالَ لِي: « لَقَدْ كَانَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ مُكَنَّعَ الْأَصَابِعِ، - أي منضمّها - فَكَانَ يَمُدُّ يَدَيْهِ، وَيَقُولُ: (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)[5].
فالتشجيع يدفع الإنسان نحو المزيد من العطاء والإنتاج والفاعلية، في حين أن التثبيط يُحدِث عكس ذلك، فعلى المجتمع والأهل أن يشجّعوا المعاقين على العمل، ويحفّزوهم نحو استثمار ما لديهم من مواهب وقدرات ومهارات، بحيث يمكنهم من خلالها صنع النجاح.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (27)