آداب النوم وأهميته

لم يترك الإسلام أمراً من أمور الحياة الإنسانيّة، أيّاً كان، إلّا ووجّه فيه كلمتَه وموعظته، وأبان فيه مواقعَ الخيرِ والشرّ، والصوابِ والخطأ، وصَحَّح وأرشد؛ كي يمضيَ الإنسان على طريق الحقّ والهدى والنور، سعيداً في الدنيا، مَرْضيّاً في الآخرة.

والنوم، أمرٌ حياتيّ من جملة الأمور المهمّة في عمر المرء وحياته، بل وفي وفاته وآخرته، أفَتَرى أنّ الإسلام لا يُعطي فيه رأيه، ولا يُسدي مقولته؟!

لقد أراد الإسلام للناس أن يعيشوا حياةً هانئةً، تتوازن فيها الحاجات مع الجهود والأعمال، فتُقضى بانتظامٍ دون أن يكون هناك طغيانٌ أو خللٌ أو ارتباك، لذا كَرِه للإنسان أن يَسهَر، مُرهِقاً بالسهر جسمه، في حالةٍ من عناءٍ غير نافع، يعقبه تضييعٌ للحقوق والواجبات والمهمّات، كما كَرِه الإسلام للمرء النومَ الطويل الذي يصيب النفس بحالة الخمول والكسل والتأخّر عن أداء الفرائض الشرعيّة، قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (لا سَهَرَ إلّا في ثلاث: مُتهجّدٍ بالقرآن، وفي طلب العلم، أو عروسٍ تُهدى إلى زوجها)[1].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (لا بأسَ بالسَّهَر في الفقه)[2].

  فالسهر يعني أمرَينِ واضحين: إنفاقَ الوقت، وبذل الجهد، فما لم يكن هذا السهر في طاعة الله تبارك وتعالى فلا خيرَ فيه، بل الخير حينئذٍ في أن ينام المرء ينوي بنومه أن يُريح بدنَه وفكره ونفسه من الأتعاب؛ لينهضَ بعد ذلك مواصلاً سيرَه نحو الهدف الأسمى، وهو طاعة الله جلّ شأنه وطلب مرضاته، ساعياً في اغتنام العلم، أو نوال الرزق، أو خدمة الدين ونفع المسلمين، وإعمار الأرض بالعمل النافع المفيد وبذكر الله جلّ وعلا.

  وهذه الجهود الكريمة لابدّ أنّها تحتاج إلى توقّفٍ واستراحة، فكان من حكمة الباري جلّ وعلا أن جعل الليل سَكينةً وهدوءاً، يستلقي فيه المرء ليُلقيَ عن بدنه أتعابه، وذلك ما صرّح به القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وجَعَلْنا نَومَكُم سُباتاً* وجَعَلْتنا اللَّيلَ لِباساً* وجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً[3].

ولكنّ هذا لا يعني أبداً أن يُطيل المرءُ نومَه، ويُكثر منه بما يختلّ به نهارُه من أمر السعي والمعاش؛ إذ في النوم الكثير تأخّرٌ أيضاً عن نوال المقاصد، كما أنّ فيه كسلاً وخمولاً للروح والنفس والبدن؛ ولذا قال رسول الله(عليه السلام) مُحذِّراً: (إيّاكُم وكثرةَ النوم؛ فإنّ كثرة النوم يَدَع صاحبَه فقيراً يومَ القيامة)[4].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا)[5].

وأيُّ فَقرٍ أفقرُ من إهمال الواجبات، وتضييع الأوقات، وإماتة الأجساد بالخمول والنفوس بالكسل؟! والمرء في حياته الدنيا مَدْعوٌّ للعمل لأُخراه، وهو في حقلٍ يُنتَظَر حصادُه يوم القيامة، فإن كسلَ هنا خاب هناك، وجاء خفيفَ الميزان، وقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (بِئسَ الغريمُ النوم، يُفْني قصيرَ العمر، ويُفوّت كثيرَ الأجر)[6].

  لذا كان لزاماً أن تبين الشريعة الإسلامية النوم الممدوح من النوم المكروه من خلال ما واردة عن الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام):

1. يستحب أن يجعل الإنسان مقاديم قدميه عند النوم باتجاه القبلة.

2. ألا يكون بطنه ممتلئاً عند النوم.

3. يستحب أن ينام الإنسان على جنبه الأيمن، أو الأيسر، أو على ظهره، ولا ينام على بطنه.

4. يستحب أن يحاسب الإنسان نفسه قبل أن ينام، ويتذكر كل ما عمله في يومه، فإن عمل خيراً طلب الزيادة، وإن عمل غير ذلك استغفر ربه وتاب.

5. يستحب أن ينام الإنسان أول الليل؛ حتى يصحو باكراً لصلاته، وعبادته، ولأعماله الأخرى، ومنها طلب الرزق.

6. يكره أن ينام الإنسان بين الطلوعين، بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.

7. يتفكر في نومه واستيقاظه، ويشكر الله حين يصحو من نومه، فقد كان النبي(صلّى الله عليه وآله): إذا أوى إلى فراشه قال: (باسمك اللهم أموت وأحيا)، وإذا استيقظ قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور)[7].

8. يستحب نوم القيلولة وهو النوم قبل الزوال بساعة (قبل الظهر) والقيلولة بمعنى زيادة العقل فعن النبي(عليه السلام): (النوم أول النهار خرق، والقائلة نعمة، والنوم العصر حمق، وبين العشاءين يحرم الرزق)[8].

9. يستحب أن يذهب الإنسان إلى بيت الخلاء قبل النوم.

10. يستحب أن ينام الإنسان على طهور (يتوضأ قبل النوم)، وأن يصلي لله قبل نومه، ويدعو، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): (من تطهر ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده)[9].

ما يستحب فعله قبل النوم وعند الإستيقاظ:

1. يستحب قراءة سورة (التكاثر) قبل النوم وسورة (التوحيد)، و(المعوذتين)، و(القدر)، و(الكافرون)، فعن النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (من قرأ (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ) عند نومه وقي فتنة القبر)[10].

وعنه(صلّى الله عليه وآله): (من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) حين يأخذ مضجعه غفر الله له ذنوب خمسين سنة)[11]. وهناك آيات أخرى يستحب قراءتها عند النوم.

2. عن النبي(صلّى الله عليه وآله): (إذا أوى أحدكم إلى فراشه.... ليقل: (اللهم إن أمسكت نفسي في منامي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)[12].

3. عن الإمام الصادق(عليه السلام) عندما تأخذ مضجعك: (من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات: ((الحمد لله الذي علا فقهر، والحمد لله الذي بطن فخبر، والحمد لله الذي ملك فقدر، والحمد لله الذي يحي الموتى، ويميت الأحياء، وهو على كل شي قدير)) خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه)[13].

4. ويستحب أن تقول عند النوم: (بسم الله، آمنت بالله، وكفرت بالطاغوت، اللهم احفظني في منامي ويقظتي)[14].

5. عند الاستيقاظ: تقول: (سبحان الله رب النبيين، وإله المرسلين، ورب المستضعفين، والحمد لله الذي يحي الموتى وهو على كل شيء قدير)[15].

6. إذا أصابك أرق قل: (يا مشبع البطون الجائعة، ويا كاسي الجنوب العارية، ويا مسكن العروق الضاربة، ويا منوّم العيون الساهرة، سكّن عروقي الضاربة، وائذن لعيني أن تنام عاجلاً)[16].

7. للاستيقاظ في الساعة التي تريد: عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: (ما من أحد يقرأ آخر الكهف عند النوم إلا تيقظ في الساعة التي يريد)[17] والآية هي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)[18].

8. إذا خشيت أن تحتلم قل: (اللهم إني أعوذ بك من الإحتلام، ومن سوء الأحلام، ومن أن يتلاعب بي الشيطان، في اليقظة والمنام)[19].

9. عند التقلب من جنب إلى جنب قل: (لا إله إلا الله الحليم الكريم، الحي القيوم، وهو كل شيء قدير، سبحان رب النبيين، وإله المرسلين، وسبحان الله رب السموات السبع، وما فيهن، ورب الأرضين السبع، وما فيهن، ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين)[20].

10. عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (إذا انتبه أحدكم من نومه فليقل: (لا إله إلا الله الحليم الكريم، الحيّ القيوم، وهو على كل شيء قدير، سبحان رب النبيين، وإله المرسلين، رب السموات السبع، وما فيهن، ورب الارضين السبع، وما فيهن، وما بينهن، ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين).

فإذا جلس أحدكم من نومه فليقل قبل أن يقوم: (حسبي الله، حسبي الرب من العباد، حسبي الذي هو حسبي منذ كنت، حسبي الله ونعم الوكيل).

وإذا قام أحدكم من الليل فلينظر إلى أكناف السماء، وليقرأ: (إن في خلق السماوات والأرض - إلى قوله - إنك لا تخلف الميعاد)[21].

ويستحب أيضا أن يقول إذا انتبه من النوم: (الحمد لله الذي أقامني من مرقدي في عافية، وأمن وبركة، الحمد لله الذي ردّ عليّ روحي، لأحمده، وأعبده).

 


[1]     الخصال، الشيخ الصدوق: ص112.

[2]     بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص178.

[3]     سورة النبأ: آية9 - 11.

[4]     بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص180.

[5]     المصدر السابق.

[6]     مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج13، ص44.

[7]     بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص218.

[8]     بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص185.

[9]     من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج1، ص469.

[10]    بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص196.

[11]    المصدر السابق.

[12]    المصدر السابق: ج73، ص186.

[13]    من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج1، ص470.

[14]    بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج92، ص149.

[15]    الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص538.

[16]    مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص390.

[17]    الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص540.

[18]    سورة الكهف: آية110.

[19]    مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص290.

[20]    الخصال، الشيخ الصدوق: ص625.

[21]    بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج10 ص103.