تذكرة: بناء النفس قبل البيت:
قد تفرد الإسلام دون غيره (بإحاطته وعمقه واستيعابه، وشموله) حتى أنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من أمور الناس وقضاياهم إلا وتناولها بالإجمال أو بالتفصيل، وما اهتم الإسلام بشيء قدر اهتمامه ببناء النفس وتربية الحس وإرهاف الوجدان وتنمية الشعور، ومن الأشياء التي يؤدبنا الإسلام على حرمتها هي البيوت قال تعالى: Pلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَO[1] ومعنى الآية: إن البر الحقيقي هو تقوى الله تعالى بالتخلي عن الرذائل والمعاصي وهو عمل الخير والتحلي بالفضائل وإتباع الحق واجتناب الباطل، فأتوا البيوت من أبوابها، وليكن ظاهركم عنواناً لباطنكم بطلب الأمور كلها من مواضعها الشرعية واتقوا الله في كل شؤونكم رجاء أن تفلحوا في أعمالكم.
هناك جملة من الآداب والسنن الواردة عن أهل بيت العصمةD، التي ينبغي العمل على طبقها ليكون البيت مباركاً محصناً بذكر الله تعالى، والتي منها:
1- اختيار الدار الواسعة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع»[2].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من السعادة سعة المنزل»[3].
2- اختيار الجار الحسن قبل الدار، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار»[4].
٣- اختيار المسكن القريب من المنافع التي يحتاجها أهل الدار. مثل المسجد -أماكن بيع المواد الغذائية- المدرسة وغيرها.
4- ورد في كتاب ثواب الأعمال للشيخ الصدوق بسنده عن السكوني عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مَن بنى مسكناً فذبح كبشاً سميناً وأطعم لحمه المساكين، ثم قال: اللهم إدحر عني مرَدةَ الجن والأنس والشياطين وبارِكْ لي في بنائي أُعطي ما سأل)[5].
وأورد صاحب المستدرك عن الشيخ إبراهيم الكفعمي روايةً عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «مَن بنى مسكنًا فليذبحْ كبشاً وليطعمْه المساكين ويقُلْ: اللهم ازجر عنِّي وعن أهلي وأولادي مرَدةَ الجن والشياطين وبارك لي فيه بنزولي فيه، فإنَّه يُعطى ما سأله إنْ شاء الله تعالى»[6].
5- المحافظة على نظافة المسكن دائماً:
ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «نَظِّفُوا بُيُوتَكُمْ مِنْ حَوْكِ الْعَنْكَبُوتِ فَإِنَّ تَرْكَهُ فِي الْبَيْتِ يُورِثُ الْفَقْرَ»[7].
وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «كنس البيوت ينفى الفقر»[8].
عن جعفر بن محمد ، عن آبائهD - في حديث المناهى - قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لا تبيتوا القمامة في بيوتكم وأخرجوها نهارا فإنها مقعد الشيطان»[9].
عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «غسل الإناء وكنس الفناء مجلبة للرزق»[10].
عن سعيد بن علاقة قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) يقول: «...والبول في الحمام يورث الفقر»[11].
6 - إغلاق أبواب المسكن وعدم تركها مفتوحة.
7- جعل بیت الخلاء (التواليت) في أكناف المسكن.
8- عدم رفع أسقف الغرف أكثر من سبعة وقيل ثمانية وقيل تسعة أذرع، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «في سمك البيت إذا رفع فوق ثماني أذرع صار مسكوناً فإذا زاد على ثماني أذرع فيكتب على رأس الثمان آية الكرسي»[12].
وأورد البرقي في المحاسن بسنده عن أبي خديجة قال: (رأيت مكتوباً في بيت أبي عبد الله (عليه السلام) آية الكرسي قد أُديرت بالبيت، رأيت في قبلة مسجده مكتوباً آية الكرسي)[13].
9- يستحب تربية الداجن في البيوت، فعن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): «أكثروا من الدواجن في بيوتكم يتشاغل بها الشياطين عن صبيانكم»[14].
10- تخصيص مكان داخل المنزل لاستقبال الضيوف وإكرامهم وتسهيل أمورهم.
11- أنْ يصنع صاحبُ الدار وليمةً يدعو المؤمنين لها، فقد نقل الشيخ الصدوقw عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ قَالَ، قَالَ: أَبُو الْحَسَنِ الْأَوَّلُ (عليه السلام)، قَالَ: رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «لَا وَلِيمَةَ إِلَّا فِي خَمْسٍ فِي عُرْسٍ أَوْ خُرْسٍ أَوْ عِذَارٍ أَوْ وِكَارٍ أَوْ رِكَازٍ فَأَمَّا الْعُرْسُ فَالتَّزْوِيجُ وَ الْخُرْسُ النِّفَاسُ بِالْوَلَدِ وَ الْعِذَارُ الْخِتَانُ وَ الْوِكَارُ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الدَّارَ وَ الرِّكَازُ الَّذِي يَقْدَمُ مِنْ مَكَّةَ»[15].
12- يستحب أن يجعل مكان في المنزل لإقامة مجالس القرآن والذكر والعبادة والصلاة وإقامة مجالس العزاء للإمام الحسين الشهيد (عليه السلام) وذكر فضائل ومصائب أهل البيتD، وتجهيز مكان يجمع به صاحب المنزل أقرباءه بين فترة وأخرى وذلك من صلة الرحم.
13- يکره جعل الكلب والتماثيل داخل البيوت، فعن ابن مسكان عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا تِمْثَالُ جَسَدٍ، وَلَا إِنَاءٌ يُبَالُ فِيهِ»[16].
ولا بأس بالفرش التي عليها نقوش ورسوم ذوات الأرواح. وفي رواية أخرى عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قال جبرئيل(عليه السلام): يَا رَسُولَ اللهَ، إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتاً فِيه صُورَةُ إِنْسَانٍ ولَا بَيْتاً يُبَالُ فِيه ولَا بَيْتاً فِيه كَلْبٌ»[17].
ويستثنى من ذلك أيضاً أهل القاصية -البعيدين عن المدينة- فعن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام): «أنَّ رَسُولَ الله(صلى الله عليه وآله) رَخَصَ لِأَهلِ القَاصِيَّةِ فِي كَلْبٍ يَتَخِذُونَهُ»[18].
14- لا بأس بالمجسم من غير ذوات الأرواح، مثل الشجر والشمس والقمر، فعن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر، فقال: «لا بَأسَ مَا لَمْ يَكُنْ شَيئاً مِنْ الحَيَوانِ»)[19].
عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سألته عن الوسادة والبساط يكون فيه التماثيل فقال: «لا بَأسَ بِهِ يَكُونُ في البَيت، قلت: التماثيل، فقال: كُلُ شَيءٍ يُوطِأُ فَلا بَأسَ بِهِ»[20].
15- يستحب عن الخروج من البيت قراءة: (الآيات من آل عمران، وآية الكرسي، وإنا أنزلناه وأم الكتاب)، فعن الإمام علي(عليه السلام): «وليقرأ أحدكم إذا خرج من بيته الآيات من آل عمران، وآية الكرسي، وإنا أنزلناه وأم الكتاب فإن فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة»[21]. وفي بعض المصادر الآيات من آل عمران هي: Pإِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِO إلى قوله: Pإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَO[22].
16- أدعية الخروج من المنزل: عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: «من قال حين يخرج من باب داره: (أعوذ بما عاذت به ملائكة الله من شر هذا اليوم الجديد الذي إذا غابت شمسه لم يعد، من شر نفسي ومن شر غيري، ومن شر الشياطين، ومن شر من نصب لأولياء الله ومن شر الجن والإنس. ومن شر السباع والهوام وشر ركوب المحارم كلها، أجير نفسي بالله، من كل سوء)، إلا غفر الله له، وتاب عليه وكفاه المهم وحجزه عن السوء وعصمه من الشر»[23].
كان الإمام الصادق(عليه السلام) إذا خرج يقول: «اللهم خرجت إليك ولك أسلمت وبك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت اللهم بارك لي في يومي هذا وارزقني قوّته ونصره وفتحه وظهوره وهداه وبركته، واصرف عني شره وشر ما فيه، بسم الله والله أكبر والحمد لله رب العالمين، اللهم إني خرجت فبارك لي في خروجي وانفعني به، وإذا دخل منزله قال مثل ذلك»[24].
وعنه(عليه السلام): «إذا خرجت من منزلك فقل: (بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أسألك خير ما خرجت له وأعوذ بك من شر ما خرجت له اللهم أوسع عليّ من فضلك وأتمم عليّ نعمتك واستعملني في طاعتك، واجعل رغبتي فيما عندك، وتوفني على ملّتك وملّة رسولك(صلى الله عليه وآله))»[25].
17- استحباب السلام عند دخول المنزل: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «إذا دخل أحدكم منزله فليسلم على أهله يقول: (السلام عليكم)، فإن لم يكن له أهل فليقل السلام علينا من ربنا، وليقرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله فإنه ينفي الفقر»[26].
وهنالك آداب أخرى لم نذكرها تجنباً للإطالة فراجع.
[1] سورة البقرة: آية 189.
[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص526.
[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص525.
[4] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص405.
[5] ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق: ص186.
[6] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج3، ص470.
[7] هداية الأمة إلى أحكام الأئمة، الحر العاملي: ج2، ص220.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص317.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص318.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص318.
[11] الخصال، الشيخ الصدوق: ص505.
[12] بحار: الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص151.
[13] المحاسن، البرقي: ج2، ص609.
[14] الوسائل، الحر العاملي: ج11، ص520.
[15] الخصال، الشيخ الصدوق: ص313.
[16] الكافي، الشيخ الكليني: ج3، ص393.
[17] الكافي، الشيخ الكليني: ج3، ص397.
[18] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص553.
[19] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص307.
[20] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص308.
[21] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج10، ص101.
[22] سورة آل عمران: آية190- 194.
[23] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص240.
[24] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص240.
[25] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج73، ص240.
[26] الخصال، الشيخ الصدوق: ص626.