آداب النظر في الإسلام

لا شكَّ أنَّ النظر من أجلِّ نِعَم الله تعالى على خلقه، وقد حثَّنا عز وجل على الإفادة من هذه النعمة الكبرى بإمعان النظر فيما حولنا من مَعَالم الحياة وأحداثها، واستخلاص العبر النافعة منها، كما ينهى عن النظرة المتطَفِّلة التي تَقْتحم على الناس أسرارهم، والنظرة الحاسدة الحاقدة، التي تَستكثر نعم الله تعالى على عباده، قال الله عز وجل في سورة النور: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ[1] وهي دعوة إلى كفِّ النظر إلى ما يحرم النظر إليه والتعفف والتستر.

ومعنى قوله تعالى: (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) يشتمل على معنيين: الأول: ذلك أطهر لقلوبهم، والزكاة الطهارة، والتزكية والتطهير. والثاني: ذلك أنمى لخيرهم وأكثر، والزكاة في الأصل النمو، أي: في غض البصر تطهير القلب وتكثير الطاعة والخير.

وهناك جملة من الآداب الخاصة بالنظر والتي ينبغي للمؤمن مراعاتها:

1- أن يعلم الإنسان أن نعمة البصر من فضل الله عليه فيشكر خالقه على هذه النعمة ولا يستعملها في محرم، فعن النبي عيسى (عليه السلام): (إياكم والنظر إلى المحذورات فإنها بذر الشهوات ونبات الفسق)[2].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (العيون مصائد الشيطان)[3].

2- أن يعلم الإنسان أن النظر إلى ما حرّم الله عز وجل نتيجته الحسرة والألم والندم والخسران، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (من أطلق ناظره أتعب حاضره، من تتابعت لحظاته دامت حسراته)[4].

وعنه (عليه السلام): (من أطلق طرفه كثر أسفه)[5].

وحينما سُئلت الزهراء (عليها السلام) ما هو خير النساء؟ قالت: (خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال)[6].

3- أن يتعلم الإنسان أن يغض طرفه دائماً ففي ذلك راحة للقلب ورضا ربه عز وجل، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (من غض طرفه أراح قلبه)[7].

قال النبي (صلى الله عليه وآله): (ما من مسلم ينظر امرأة أول رمقة ثم يغض بصره إلا أحدث الله تعالى له عبادة يجد حلاوتها في قلبه)[8].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (غضوا أبصاركم ترون العجائب)[9].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمض بصره لم يرتد إليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين)[10].

4- أن يحاول أن يعوّد نظره على ما فيه الثواب من الله عز وجل مثل النظر إلى الوالدين، والقرآن الكريم، والعالم، وكتاب فيه فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (النظر إلى العالم عبادة، والنظر إلى الإمام المقسط عبادة، والنظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادة، والنظر إلى أخ توده في الله (عز وجل) عبادة)[11].

وعنه (صلى الله عليه وآله) في حق علي (عليه السلام): (...ومن نظر إلى كتابة في فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر)[12].

5- يجعل لعينه فرصة للراحة وذلك بالنظر إلى ما حلل الله عز وجل مثل الخضرة والماء والسماء والغيوم...، فعن أبي الحسن (عليه السلام): (ثلاثة يجلين البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن)[13].

6- الحذر من الاستخدام المحرّم لنعمة البصر... فعن الرسول
الأعظم (صلى الله عليه وآله): (ومن ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلا أن يتوب ويرجع)[14].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (اشتد غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها...)[15].

7- يستحب للمسلم إذا نظر إلى ذي عاهة أو صاحب بلاء أن يقول في نفسه من غير أن يسمعه: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، ولو شاء لفعل بي ذلك)[16] ويكررها ثلاثاً.

8- يستحب للمسلم إذا رأى غير المسلم أن يقول: (الحمد لله الذي فضلني عليك بالإسلام ديناً، وبالقرآن كتاباً، وبمحمد (صلى الله عليه وآله) نبياً، وبعلي (عليه السلام) إماماً، وبالمؤمنين إخواناً، وبالكعبة قبلة)[17].

 


[1] سورة النور:30-31.

[2] البحار: ج101، ص42.

[3] غرر الحكم: ح950.

[4] البحار: ج101، ص38.

[5] البحار: ج75، ص91.

[6] الوسائل: ج20، ص67.

[7] غرر الحكم: ح9122.

[8] كنز العمال: ج5، ص327.

[9] البحار: ج101، ص41.

[10] الوسائل: ج20، ص193.

[11] أمالي الشيخ الطوسي: ص454.

[12] أمالي الشيخ الصدوق: ص201.

[13] الخصال: ص92.

[14] أمالي الشيخ الصدوق: ص515.

[15] الوسائل: ج20، ص232.

[16] أمالي الشيخ الصدوق: ص339.

[17] أمالي الشيخ الصدوق: ص339.