آداب الزيارة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

لم تقتصر روايات مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) على الحثّ الأكيد على الزيارات،
خاصّة تلك التي لا شك في صدورها عنهم، بل ذهبت أعمق من ذلك لتربية أتباعهم بالالتزام بذلك، فرسمت لهم مساراً خاصاً وآداباً ينبغي مراعاتها، وأعطوها صفة آداب الزيارة، حيث يتعيّن على الزائر المؤمن الذي يروم زيارة النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله) والزهراء والأئمّة الأطهار(عليهم السلام) طلباً للزّلفة والكرامة لديهم، أن يهيّئ نفسه ظاهرياً وباطنياً للحضور عندهم وتأدية التحية والسّلام عليهم، وهم قد وضعوا هذه الآداب لطفاً منهم بنا، لمزيد الاستفادة من آثار الزيارة وبركاتها الماديّة والمعنوية، وإن لزيارة الإمام المعصوم(عليه السلام) سواء في حياته أم بعد استشهاده، آداب تميّزها عن غيرها من اللقاءات والزيارات وهي عديدة نقتصر على أمور:

الأول: الغُسل قبل الخروج لسفر الزّيارة.

الثّاني: أن يتجنّب في الطّريق التكلّم باللّغو والخصام والجدال.

الثّالث: أن يغتسل لزيارة الأئمة(عليهم السلام) وأن يدعو بالمأثورة: (بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْهُ نُوراً وَطَهُوراً وَحِرْزاً وَشِفاءً مِنْ كُلِّ داء وَسُقْم وَآفَة وَعاهَة، اَللّـهُمَّ طَهِّرْ بِهِ قَلْبي وَاشْرَحْ بِهِ صَدْري وَسَهِّلْ لي بِهِ اَمْري).

الرّابع: الطّهارة من الحدث الأكبر والأصغر.

الخامس: أن يلبس ثياباً طاهرة نظيفة جديدة ويحَسْن أن تكون بيضاء.

السّادس: أن يقصر خطاه إذا خرج إلى الرّوضة المقدّسة، وأن يسير وعليه السّكينة والوقار، وأن يكون خاضعاً خاشعاً، وأن يطأطئ رأسه فلا يلتفت إلى الأعلى ولا إلى جوانبه.

السّابع: أن يتطيّب بشيء من الطّيب فيما عدا زيارة الحسين(عليه السلام).

الثّامن: أن يشتغل لسانه وهو يمضي إلى الحرم المطهّر بالتكبير والتّسبيح والتّهليل والتّمجيد، ويعطّر فاه بالصّلاة على محمّد وآله (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

التّاسع: أن يقف على باب الحرم الشّريف ويستأذن ويجتهد لتحصيل الرّقّة والخضوع والانكسار والتفكير في عظمة صاحب ذلك المرقد المنوّر وجلاله، وأنّه يرى مقامه، ويسمع كلامه، ويردّ سلامه، والتّدبّر في لطفهم وحُبّهم لشيعتهم وزائريهم، والتّأمّل في فساد حال نفسه وفي جفائه عليهم برفضه ما لا يحصى من تعاليمهم، وفيما صدر من الأذى لهم أو لخاصّتهم وأحبابهم وهو في المآل أذى راجع إليهم (عليهم أفضل الصلاة والسلام) فلو التفت إلى نفسه التفات تفكير وتدقيق لتوقّفت قدماه عن المسير وخشع قلبه ودمعت عينه، وهذا هو لُبّ آداب الزّيارة كلّها.

العاشر: تقبيل العتبة العالية المباركة.

الحادي عشر: أن يقدّم للدّخول رجله اليمنى ويقدّم للخروج رجله اليُسرى كما يصنع عند دخُول المساجد والخروج منها.

الثّاني عشر: أن يقف على الضّريح بحيث يمكنه الالتصاق به.

الثّالث عشر: أن يقف للزّيارة مستقبلاً القبر مُستدبِراً القبلة وهذا الأدب ممّا يخصّ زيارة المعصوم على الظّاهر، فإذا فرغ من الزّيارة فليضع خدّه الأيمن على الضّريح ويدعو الله بتضرّع ثمّ ليضع الخدّ الأيسر ويدعو الله بحقّ صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته ويبالغ في الدّعاء والإلحاح ثمّ يمضي إلى جانب الرّأس فيقف مُستقبل القبلة فيدعو الله تعالى.

الرّابع عشر: أن يزُور وهُو قائم على قَدَميه إلا إذا كان له عُذر منْ ضعف أو وجع أو غير ذلك من الأعذار.

الخامس عشر: أن يكبّر إذا شاهد القبر المطهّر قبل الشّروع في الزّيارة، وفي رواية: أن من كبّر أمام الإمام(عليه السلام) -أي واقفاً أمام قبر الإمام-  وقال: (لا اِلـهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ)، كتب له رضوان الله الأكبر.

السّادس عشر: أن يزُور بالزّيارات المأثورة المرويّة عن سادات الأنام(عليهم السلام)
ويترك الزّيارات المخترعة التي لفقها بعض عوام النّاس.

السّابع عشر: أن يصلّي صلاة الزّيارة وأقلّها ركعتان.

الثّامن عشر: تلاوة سورة يس في الرّكعة الأولى وسورة الرّحمن في الثّانية إن لم تكن صلاة الزّيارة التي يصلّيها مأثورة على صفة خاصّة، وان يدعو بعدها بالمأثور أو بما سنح له في أمور دينه ودُنياه، وليعمّم الدّعاء فانّه أقرب إلى الإجابة.

التّاسع عشر: تقديم صلاة الفريضة على صلاة الزيارة لو صادف دخوله إلى مشهد الإمام وقد دخل وقتها.

العشرون: عَدّ الشّهيد الأولK من آداب الزّيارة تلاوة شيء من القرآن عند الضّريح وإهداؤه إلى المزور، والمنتفع بذلك الزّائر وفيه تعظيم للمزور.

الحادي والعشرون: ترك اللّغو وما لا ينبغي من الكلام وترك الاشتغال بالتكلّم في أمور الدّنيا، فهو مذموم قبيح في كلّ زمان ومكان، وهو مانع للرّزق، ومجلبة للقساوة، لا سيّما في هذه البقاع الطّاهرة والقُباب السّامية، التي أخبر الله تعالى بجلالها وعظمتها في سورة النور: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ[1].

الثّاني والعشرون: أن لا يرفع صوته بما يزور به.

الثّالث والعشرون: أن يودّع الإمام(عليه السلام) بالمأثور أو بغيره إذا أراد الخروج من البلد.

الرّابع والعشرون: أن يتوب إلى الله ويستغفره من ذنوبه، وأن يجعل أعماله وأقواله بعد الزّيارة خيراً منها قبلها.

الخامس والعشرون: الإنفاق على سدنة المشهد الشّريف، وينبغي لهؤلاء أن يكونوا من أهل الخير والصّلاح والدّين والمروّة، وأن يحتملوا ما يصدر من الزّوار فلا يصبوا سخطهم عليهم ولا يحتدموا عليهم، قائمين بحوائج المحتاجين، مُرشدين للغُرباء إذا ضلّوا، وبالإجمال فالخدم ينبغي أن يكونوا خداماً قائمين بما لزم من تنظيف البُقعة الشّريفة وحراستها ومُحافظة الزّائرين وغير ذلك من الخدمات.

السّادس والعشرون: الإنفاق على المجاورين لتلك البُقعة من الفقراء والمساكين المتعفّفين والإحسان إليهم لا سيّما السّادة وأهل العلم المنقطعين الذين يعيشُون في غُربة وضيق وهم يرفعون لواء التّعظيم لشعائر الله وقد اجتمعت فيهم جهات عديدة تكفي إحداها لفرض إعانتهم ورعايتهم.

السّابع والعشرون: قال الشّهيد الأول: إن من جُملة الآداب تعجيل الخُروج عند قضاء الوطر من الزّيارة لتعظم الحُرمة وليشتد الشّوق، وقال أيضاً: والنّساء إذا زُرن فليكنّ منفردات عن الرّجال والأولى أن يزرن ليلاً ولو زرن بين الرّجال جاز وإن كره، وأن يَكُنَّ في غاية الحشمة تاركات للتبرج، ففي الفقيه روى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: سمعته يقول: (يظهر في آخر الزّمان واقتراب السّاعة وهو شرّ الأزمنة نسوة كاشِفات عاريات متبرّجات، من الدّين خارجات، داخلات في الفِتن، مائلات إلى الشّهوات، مسرعات إلى اللّذات، مستحلاّت المحرّمات، في جهنّم خالدات)[2].

الثّامن والعشرون: ينبغي عند ازدحام الزّائرين للسّابقين إلى الضّريح أن يخفّفوا زيارتهم وينصرفوا ليفُوز غيرهم بالدّنوّ من الضّريح الطّاهر كما كانوا هم من الفائزين.

 


[1] سورة النور: آية36.

[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج20، ص35.