إن من التأدب مع الله عزّ وجلّ تعظيم شعائره قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[1]، فتعظيم شعائر الله هي من تأثير التقوى التي في القلب، فالتأدب عنده هو من تعظيم شعائر الله، فالأذان والإقامة لهما آداب ينبغي أن يعمل بهما ويحافظ عليهما، لأنهما شعار عظيم، يُعظَّمُ فيهما المولى تبارك وتعالى، ويُشهد له فيهما بالوحدانيَّةِ، ويشهد لنبيه(صلّى الله عليه وآله) بأنه رسول من عند الله، ويشهد لأمير المؤمنين(عليه السلام) بالولاية، وهما في نفس الوقت إعلان لدخول وقت الصلاة التي هي عمود الدين، فالأذان والإقامة شعارُ أهلِ التوحيد، وشعيرة من شعائر الإسلام فالتأدّب عندهما هو من التأدّب مع بقية شعائر الإسلام.
معنى الأذان والإقامة:
الأذان في اللغة: الإعلام بالشيء، قال الله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ﴾[2]، أي: إعلام.
والإقامة في اللغة: مصدر أقام، من إقامة الشيء إذا جعله مستقيمًا.
والأذان والإقامة في الشرع: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مخصوصة مشروعة، والتي هي عبارة عن أذكار مخصوصة موضوعة لهذا الغرض، وسُمِّي الأذان بذلك، لأن المؤذن يُعلِم الناس بمواقيت الصلاة، ويُسمَّى النداء، لأن المؤذن ينادي الناس ويدعوهم إلى الصلاة، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾[3]، وقال سبحانه: ﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجمعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله﴾[4].
متى شُرِّعَ الأذان والإقامة؟
وردت عندنا روايات صحيحة تشير إلى أنّ تشريع الصلاة كان في ليلة الإسراء والمعراج، إذ أنّ جبرائيل أذّن وأقام في تلك الليلة بالطريقة التي عليها اليوم الأذان والإقامة، فصلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بالأنبياء، نعم، هناك اختلاف في تشريع أذان الإعلام، وأنّه متى حصل هل في مكّة أو المدينة؟ وهل حصل لرؤيا رآها عبد الله بن زيد، أو لِوحْيٍ من السماء، وغير ذلك من الاختلافات؟ فبعد ثمانية أشهر من هجرة رسول الله(صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة شُرّع الإعلام بالأذان، كما نصّ على هذا ابن شهر آشوب في مناقبه[5].
وأما كيف شرع الأذان والإقامة؟ فالروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)
توضّح لنا ذلك: فعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه سأل: (يا عمر بن أُذينة! ما ترى هذه الناصبة في أَذانهم وصلاتهم؟ فقال: جعلت فداك! إنّهم يقولون: إنّ أُبيّ بن كعب الأنصاري رآه في النوم. فقال(عليه السلام): كذبوا والله، إنّ دين الله تعالى أعزّ من أن يُرى في النوم)[6]، وحسب نصّ آخر: أنّه(عليه السلام) قال: (الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون أنه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد)[7].
وقد سُئل الحسين(عليه السلام) عن الأذان وما يقول الناس؟ فقال: (الوحي ينزل على نبيكم، وتزعمون أنه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد، بل سمعت أبي علي بن أبي طالب(عليه السلام)، يقول: أهبط الله عزّ وجلّ ملكاً حين عُرج برسول الله(صلّى الله عليه وآله)،
فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى ثم قال له جبرئيل: يا محمد هكذا أذان الصلاة)[8].
وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: (لما أسري برسول الله(صلّى الله عليه وآله) إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة، فأذن جبرئيل وأقام، فتقدّم رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وصفّ الملائكة والنبيون خلف محمد(صلّى الله عليه وآله))[9].
فصول الأذان والإقامة:
كيفية الأذان والإقامة كانت هكذا - كما سمعها رسول الله(صلّى الله عليه وآله) من جبرئيل(عليه السلام)، أو في بعض الروايات من ملك يؤذّن للصلاة عند عروجه إلى السماء كما قلنا سابقاً وهي ثمانية عشر فصلا: (الله أكبر أربع مرات، ثمّ: أشهد أنّ لا إله إلّا الله، ثمّ: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، ثمّ: حيّ على الصلاة، ثمّ: حيّ على الفلاح، ثمّ: حيّ على خير العمل، ثمّ: الله أكبر، ثمّ لا إله إلا الله، كلّ فصل مرّتين، كما نصّت على ذلك روايات كثيرة).
وفصول الإقامة سبعة عشر، وهي كالأذان إلا أن التكبير في أولها مرتين والتهليل في آخرها مرة، ويزاد فيها قبل التكبير في آخرها: قد قامت الصلاة مرتين، كما ويضاف إلى كل من الأذان والإقامة الشهادة لعلي(عليه السلام) بالولاية وإمرة المؤمنين، مكمِّلة للشهادة بالرسالة، ومستحبة في نفسها، وإن لم تكن جزءاً من الأذان ولا الإقامة، وكذا الصلاة على محمد وآل محمد عند ذكر اسمه الشريف.
اشتمالهما على مسائل العقيدة:
الأذان والإقامة مع قلة ألفاظهما اشتملا على مسائل العقيدة:
1. تكبير وتعظيم الله تعالى.
2. الإيمان بأسمائه بإثبات اسمه العلم وهو لفظ الجلالة (الله) باعتباره جامعاً لكل صفات الجمال والجلال، والتي منها اشتقت أسماؤه الحسنى.
3. الشهادة لله بالوحدانية، وأنه واحد في ذاته وأسمائه وصفاته.
4. الإيمان بأنه لا معبود بحق إلا الله سبحانه.
5. الكفر بالمعبودات الباطلة بنفي الألوهية عن سوى الله سبحانه.
6. الشهادة لرسوله(صلّى الله عليه وآله) بالرسالة.
7. الشهادة لأمير المؤمنين(عليه السلام) بالولاية.
8. الإيمان بركنٍ عظيم من أركان الإسلام وهو الصلاة.
9. الإيمان بالجزاء وهو الفوز والفلاح لمن وحّد الله تعالى، واتبع رسوله(صلّى الله عليه وآله)،
وأقام الصلاة وسائر شرائع الإسلام.
10. أن الخسران والندم لمن ترك الصلاة.
مستحبات الأذان والإقامة:
الأول: الاستقبال.
الثاني: القيام بالنسبة للأذان، واعتباره في الإقامة أحوط بل لا يخلو عن قوة.
الثالث: الطهارة والاستقبال في الأذان، وأما الإقامة فيشترط فيها الطهارة من الحدث.
الرابع: عدم التكلم في أثنائهما، بل يكره بعد (قد قامت الصلاة) للمقيم، بل لغيره أيضاً في صلاة الجماعة، إلا في تقديم إمام بل مطلق ما يتعلق بالصلاة كتسوية صفّ ونحوه، بل يستحب له إعادتها حينئذ.
الخامس: الاستقرار في الإقامة.
السادس: التسكين في أواخر فصولهما مع التأني في الأذان، والحدر في الإقامة على وجه لا ينافي قاعدة الوقف.
السابع: الإفصاح بالألف والهاء من لفظ الجلالة في آخر كل فصل هو فيه.
الثامن: وضع الإصبعين في الأذنين في الأذان.
التاسع: مد الصوت في الأذان ورفعه، ويستحب الرفع في الإقامة أيضا إلا أنه دون الأذان.
العاشر: الفصل بين الأذان والإقامة بصلاة ركعتين أو خطوة أو سجدة أو ذكر أو دعاء أو سكوت بل أو تكلم لكن في غير الغداة، بل لا يبعد كراهته فيها.
فضل الأذان والإقامة والمؤذن في روايات أهل البيت(عليهم السلام):
عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة)[10].
عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (للمؤذن فيما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحّط بدمه في سبيل الله).[11]
عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: (من أذّن عشر سنين محتسباً يغفر الله له مد بصره وصوته في السماء، ويصدقه كل رطب ويابس سمعه، وله من كل من يصلي معه في مسجده سهم، وله من كل من يصلي بصوته حسنة)[12].
عن محمد بن علي(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (المؤذن المحتسب كالشاهر سيفه في سبيل الله، القاتل بين الصفين)[13].
قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من أذّن عشر سنين أسكنه الله عزّ وجلّ مع إبراهيم الخليل(عليه السلام) في قبته أو في درجته)[14].
قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من أذّن سنة واحدة بعثه الله يوم القيامة عزّ وجلّ وقد غفرت ذنوبه كلها، بالغة ما بلغت، ولو كانت مثل زنة جبل أحد)[15].
قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من أذّن في سبيل الله صلاة واحدة إيماناً واحتساباً وتقرباً إلى الله عزّ وجلّ غفر الله له ما سلف من ذنوبه، ومنَّ عليه بالعصمة فيما بقي من عمره، وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة)[16].
عن الرضا(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (المؤذّنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة)[17].
قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من تولىّ أذان مسجد من مساجد الله فأذّن فيه وهو يريد وجه الله أعطاه الله ثواب أربعين ألف ألف نبي - إلى أن قال - وإذا أذن المؤذن فقال أشهد أن لا إله إ الله اكتنفه أربعون ألف ألف ملك كلهم يصلّون عليه، ويستغفرون له، وكان في ظل رحمة الله حتى يفرغ الحديث، وفيه ثواب جزيل)[18].
عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (من سمع المؤذّن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فقال مصدقاً محتسباً: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وأكتفي بهما عمن أبى وجحد وأُعين بهما من أقرّ وشهد، كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد، ومثل عدد من أقرّ وعرف)[19].
عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): (من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفان من الملائكة، ومن صلّى بإقامة بغير أذان صلّى خلفه صف واحد من الملائكة قلت له: وكم مقدار كل صفّ؟ فقال أقلّه ما بين المشرق والمغرب، وأكثره ما بين السماء والأرض)[20].
[1] سورة الحج: آية32.
[2] سورة التوبة: آية3.
[3] سورة المائدة: آية58.
[4] سورة الجمعة: آية9.
[5] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج1، ص152.
[6] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج18، ص354.
[7] المصدر السابق: ج81، ص156.
[8] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج4، ص17.
[9] الكافي، الشيخ الكليني: ج3، ص302.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص371.
[11] المصدر السابق: ج5، ص372.
[12] المصدر السابق.
[13] المصدر السابق: ج5، ص374.
[14] المصدر السابق: ج5، ص375.
[15] المصدر السابق.
[16] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص375.
[17] المصدر السابق: ج5، ص376.
[18] المصدر السابق: ج5، ص377.
[19] الكافي، الشيخ الكليني: ج3، ص307.
[20] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص382.