صلة الرحم آدابها وآثارها

دعا الإسلام إلى الألفة والمحبة بين جميع الناس وأوصاهم أن يتعارفوا ويتآلفوا، وأكّد على ذلك وشدّد عليه في حق القرآبة المعبر عنها بالرحم.

وأوصى الله بصلة الأرحام، ونهى عن قطيعتها، وحذر الأرحام من التدابر والتقاطع، وليس معنى ذلك أن تصبح القرابة صنماً يتحكم بعواطف الناس وعقائدها، وتتحول الأرحام إلى آلهة تجرف في طريقها كل عدل وحق، ويتحول على أساسها الباطل إلى حق والحق إلى باطل... بل معناها أن يكون بين الأرحام تواصل وتعاطف وتوادّ في الله ومن أجل الله... فتتحول هذه الصلة إلى طهر ونزاهة يجتمع فيها الأرحام على طاعة الله وتقواه ولا يفصمها ولا يزلزلها حادث عابر أو قضية تافهة، ومن هنا كان للأرحام حقوق أشد وأقوى من حقوق سائر المسلمين يحسن بنا أن نمرَّ عليها ونتدبرها...

مَنْ هُمْ الأرحام؟ وما هي صِلة الرحم؟

الأرحام جمع كلمة رَحِم والرْحِم في اللغة العربية لفظ يسمى بها كل من له صلة قرابة وارتباط ونسب مع إنسان آخر، سواء أكانت صلة القرابة من جهة الأم والأب معاً كالأخوة والأخوات أو من جانب الأم وحدها كالأخوال والخالات وأبنائهم أو الأب وحده كالأعمام والعمات وأبنائهم وتشمل صلة القرابة الجد والجدة، ومن أعظم الأرحام الأم والأب، وباختصار الأرحام هم كل من يكون في نظر الناس من أقارب الإنسان بسبب علاقة نسبية سواء من جهة الأب أو الأم.

وحينما نتحدث عن صلة الرحم، ونقول إنها من الواجبات وأن على الإنسان أن يصل رحمه ونذكر أن الإسلام حثَّ في القرآن والروايات على صلة الرحم نقصد من ذلك إقامة علاقة طيبة وحسنة مع هؤلاء الأرحام والأقارب من خلال الاهتمام بشؤونهم والسؤال عن أحوالهم وزيارتهم ومشاركتهم في أحزانهم وأفراحهم وتقديم المساعدة لهم ومدّ يد العون إليهم والدعاء إلى الله بالخير لهم.

والهدف من ذلك هو أن الله عزّ وجلّ أراد للعلاقات بين الإنسان وأقاربه أن تكون مبنية على المحبة والمودة والعطف والرحمة، لا القسوة والكراهية والبغض والبعد، لذلك أوصانا الرسول وأهل البيت (صلوات الله عليهم اجمعين) بصلة الرحم.

فعن النبي(صلّى الله عليه وآله): (أوصي الشاهد من أمتي، والغائب منهم، ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أن يصل الرحم وإن كانت منه على مسير سنة فإن ذلك من الدِّين)، وهذا الحديث يقطع أعذار المتعلّلين بالبعد أو كثرة الشغل أو زيادة الهمّ والأتعاب.

كما نلاحظ في نفس الوقت أن الله عزّ وجلّ قد توعَّد من يقطع رحمه بنزول اللعنة عليه وأن جزاءه السكن في دار جهنم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ[1].

وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾، وجاء في تفسير هذه الآية عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام)  عن قول الله عزوجل: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾، قال: (هي أرحام الناس أمر الله تبارك وتعالى بصلتها وعظّمها ألا ترى أنه جعلها منه)[2].

وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: (إن الرحم معلّقة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني، وهي رحم آل محمد.. إلى أن قال: ورحم كل ذي رحم)[3].

وعنه(عليه السلام): (أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم تقول: (يا رب من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه، ومن قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه)[4].

آثار لصلة الرحم:

ان لصلة الرحم آثار كثيرة وعظيمة، جدير بكل إنسان عاقل أن يتدبرها، ويكتسبها، ويبحث عنها، ويوفرها لنفسه، فإنها في متناول يده، وتحت سلطانه، ولا يستطيع أن يأتي بالمعاذير فإنها غير مقبولة على الإطلاق، ومن هذه الآثار الإيجابية:

1. أنّ في صلة الرحم طاعة لله وامتثالاً لأمره: وهذا المعنى هو غاية مطمح أنظار المؤمنين، فإنهم باستمرار يبحثون عن رضاه ويكون ذلك من أهم عوامل إدخال السرور عليهم والراحة لنفوسهم.

2. صلة الرحم تزيد في العمر: لأنها توجب الراحة والسرور وسلامة الطوية وتزرع الألفة والمحبة، وهذه أسباب في إطالة عمر الإنسان بحسب العادة مضافاً إلى أن الله بقدرته العظيمة قد يرتّب الأسباب لإطالة عمر الإنسان ويجعل أحدها صلة الرحم، والروايات تؤكد على هذا المعنى، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام):
مخاطباً أحد أصحابه واسمه نوف: (يا نوف، صِلْ رحمك يزيد الله في عمرك)[5].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (إن الرجل ليصل رحمه، وقد بقي من عمره ثلاث سنين، فيصيّرها الله عزّ وجلّ ثلاثين سنة، ويقطعها، وقد بقي من عمره ثلاثون سنة، فيصيرها الله ثلاث سنين، ثم تلا: ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾)[6].

3. أنّ صلة الرحم تهوّن سكرات الموت وشدائده وتقي من ميتة السوء: فعن الإمام الصادق(عليه السلام): (من أحب أن يخفف الله عزّ وجلّ عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً وبوالديه باراً، فإذا كان كذلك، هون الله عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقرٌ أبداً)؟[7].

وعن الإمام الهادي(عليه السلام): (فيما كلّم الله تعالى به موسى(عليه السلام)  قال موسى: إلهي فما جزاء من وصل رحمه؟ قال: يا موسى، أنسئ له أجله، وأهون عليه سكرات الموت)[8].

4. أنّ صلة الرحم تنفي الفقر: فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (صلة الرحم تزيد في العمر، وتنفي الفقر)[9].

5. أنّ صلة الرحم تزيد في الرزق: فعن النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (من سرّه أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أجله، فليصل رحمه...)[10].

6. أنّ صلة الأرحام تعمّر الديار: عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (صلة الرحم تعمّر الديار، وتزيد في الأعمار، وإن كان أهلها غير أخيار)[11].

صلة الرحم وإن كان قاطعاً لها:

وأفضل صلة الرحم وأعظمها إذا كان الرحم قاطعاً لها، فإن صلتها حينئذ تكون خالصة لوجة الله تعالى، صافية من جميع شوائب الرياء والتعصب للأهل والأقارب، فإن في حالة الرضا والوفاق تتدخل المصالح والمنافع والقرابة، ولكن إذا كان رحمك قاطعاً لك تستطيع أن تصله، وبعملك هذا تخرجه من عدائه لتضمه إلى جانبك في حب ورضى، بل الإسلام يفرض عليك عدم مقاطعة أرحامك، وإن كانوا كادوك ونصبوا لك العداوة وحاولوا الأضرار بك.

قال الإمام الصادق(عليه السلام): (إنّ رجلاً أتى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إن أهل بيتي أبوا إلّا توثّباً عليّ وقطيعة لي فأرفضهم؟ قال: إذاً يرفضكم الله جميعاً. قال: فكيف أصنع؟ قال: تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمّن ظلمك، فإنّك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عزّ وجلّ ظهير)[12].

وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (لا تقطع رحمك وإن قطعك)[13].

استحباب الإنفاق على الرحم:

وإذا كان للمسلم أرحام يستحب له أن ينفق عليهم، وخصوصاً إذا كانوا من النساء اللاتي يحتجن إلى إعالة، فإن النفقة عليهن أفضل من النفقة على الآخرين، وكذلك الصدقة على الأرحام أفضل من الصدقة على غيرهم. حتى الحقوق الشرعية إذا توفرت عند أحد يستحب أن يخصَّ بها أرحامه الفقراء، ويقدمهم على غيرهم من الفقراء، فعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: (من عال ابنتين، أو أختين، أو عمتين، أو خالتين، حجبتاه من النار بإذن الله)[14].

وعنه(عليه السلام) قال: (سُئل رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أي صدقة أفضل؟ فقال: على ذي الرحم الكاشح)[15].

صل رحمك ولو بالسلام:

وإذا أعوزك المال، ولم تسعفك ذات يدك أن تبسطها إلى أرحامك، وتمدّهم بما أعطاك الله من فضله، فلا تبخل عليهم بما تقدر عليه من الزيارة لهم، والتردد عليهم، ولا أقل من السلام عليهم، فإن صلتهم بهذا القدر القليل يطيب قلوبهم، ويرقق مشاعرهم، ويزرع الحب والثقة في نفوسهم، وهذا القدر ينمو ويربو ويعطي أفضل الثمار، فعن النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (صِلُوا أرحامكم ولو بسلام)[16].

قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (صِلُوا أرحامكم ولو بالتسليم، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾)[17].

 


[1] سورة الرعد:آية25.

[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج71، ص98.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص151.

[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص534.

[5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج68، ص383.

[6] المصدر السابق: ج71، ص93.

[7] المصدر السابق: ج71، ص66.

[8] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص276.

[9] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج71، ص88.

[10] الخصال، الشيخ الصدوق: ص32.

[11] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج71، ص94.

[12] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص538.

[13] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص347.

[14] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج21، ص527.

[15] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج2، ص68.

[16] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج71، ص85.

[17] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص155.