آداب الحرية في الإسلام

قرّر الإسلام الحرّية للإنسان، وجعلها حقّاً من حقوقه، واتّخذ منها دعامة لجميع ما سنّه للناس من عقيدة وعبادة ونُظم وتشريع، وتوسع إلى احترام الآخرين بعدم التدخل في شؤونهم ولم يقيد حرّية أحد إلّا فيما فيه مصالح الناس في أعراضهم ولا في أموالهم وأخلاقهم وأديانهم ومقدّساتهم وغير ذلك.

فالحرّية في الإسلام لا تعني الفوضى، وارتكاب الموبقات والمنكرات، واستباحة محارم الله، والانغماس في الشهوات المحرَّمة، بل على العكس تماماً فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من ترك الشهوات كان حراً ...»[1].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله»[2].

فالحرّية التي تبيح هذه المحظورات هي فوضى، وتصوّر خاطئ للحرّية، وقد صحح الإسلام هذا التصوّر الخاطئ.

فمفهوم الحرّية من المنظور الإسلامي يتحقّق من خلال الحقوق والواجبات باعتبارهما وجهين لحقيقة واحدة؛ لأنّ الحقوق من دون أن تقيّد بالواجبات سيصبح الفرد فيها غير مرتبط بالآخرين، وقد يعرف حقوقه ولا يعرف حقوق الآخرين عليه وبذلك يصبح انفرادياً في تعامله قاصراً عن أداء واجباته، فإذا كانت الحرّية من منطلق الحقوق فقط دون الواجبات لسبب عدم التوازن في الحياة.

وحيث كرَّم الله الإنسان بهذه الحرّية من خلال هذه الحقوق؛ فمنحه حرّية الاعتقاد كما في قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[3].

وقال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا﴾[4].

فالإسلام يتيح الفرصة المتكافئة للناس كي ينظروا ويختاروا، فلا يجبرهم على شيء لا يرغبونه، فلهم الحرية تحت مظلة عبودية الله القائمة على أساس العدل والحكمة.

قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار...»[5].

وقد يكون الإنسان عبداً من دون أن يشعر كأن يكون عبداً لشهواته، كما قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «لا يسترقنك الطمع وقد جعلك الله حراً ...»[6].

وعنه(عليه السلام): «العبد حر ما قنع، الحر عبدٌ ما طمع»[7].

وهناك جملة من الآداب ينبغي الأخذ بها:

1- يجب أن تكون الحرية في حدود الدين ومنهاجه، ولا مخالفة الأعراف السائدة في البلد، فهناك حدود يضعها العرف تقيد الحريات لا يبنغي تعديها.

2- أن تكون الحرية في حدود الأخلاق الإسلامية فيكون الإنسان متصفاً بالحياء والعفة وحسن البشر مبتعداً عن المكر والحيلة والغش.

قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «حسن البشر شيمة كل حر»[8].

وعنه(عليه السلام): «إن الحياة والعفة من خلائق الإيمان وإنهما لسجية الأحرار وشيمة الأبرار»[9].

وعنه(عليه السلام): «الحرية منزهة من الغل والمكر»[10].

3- أن تكون الحرية مع الطاعة للخالق الكريم وعدم معصيته فإن المعصية عبودية للشيطان.

قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «إن قوماً عبدوا الله سبحانه.. وقوماً عبدوه شكراً فتلك عبادة الأحرار»[11].

 


[1] البحار: ج75، ص91.

[2] الكافي ج2، ص320.

[3] البقرة: 256.

[4] الكهف: 29.

[5] نهج السعادة: ج1، ص198.

[6] غرر الحكم: ص298، ح6743.

[7] غرر الحكم: ص391، ح8975.

[8] غرر الحكم: ص434، ح9935.

[9] غرر الحكم: ص257، ح5442.

[10] غرر الحكم: ص291، ح6484.

[11] غرر الحكم: ص198، ح3934.