كما هو معروف في علم النفس الاجتماعي أن الجانب العملي لأي مشروع يُعَدّ العامل الأمثل في التأثير، وكلما كانت الخطوات عملية وحاكية عن الواقع يكون تأثيرها أعمق وآكد، أما إذا كانت اقتصر الأمر على الكلام، فإنه يفقد مقوماً مهماً من مقومات التأثير، لذا فقد غيّر الإسلام الكثير من العادات السيئة وتخلص منها بالمنهج العملي لدقته في معالجة غير المرغوب من التقاليد.
وفي ميدان المرأة فإن احترام المرأة كعنصر إنساني كان ضمن منظومة التغيير عند النبي (صلى الله عليه وآله) ، وكان (صلى الله عليه وآله) يعلن ويجاهر باحترام الزهراء (عليها السلام) الأمر الذي ساهم في إعادة اعتبار المرأة في ذلك الوقت، وكان له الأثر في تهذيب الحياة الإنسانية، فبعد مبدأ وأد البنات وإهانة كرامة الزوجة والأم والأخت، قامت الأسرة على القواعد الإسلامية الصحيحة المتينة، فصارت بالفعل لبنة أساسية في جدار المجتمع، ومحل السكينة والدفء وتوفير والاستقرار والطمأنينة لجميع أفرادها؛ فقد تغيّرت جميع القيم المعنوية للإنسان.
كان النبي (صلى الله عليه وآله) مدركاً للجانب السلوكي في التربية، فبرز احترامه البالغ للزوجة - السيدة خديجة (عليها السلام) - والبنت - السيدة الزهراء (عليها السلام) - ففي الحديث: (وكانت إذا دخلت عليه الزهراء أخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قبلته وأخذت بيده فأجلسته في مكانها)[1] وقد ساهم هذا الاحترام في صياغة شخصيتها المباركة بشكل كامل، ومن جانبها كانت الزهراء (عليها السلام) تتمثل صفات الرسول (صلى الله عليه وآله)، وتجسد الخلق الإسلامي الرفيع في جميع حياتها، فيمكن اعتبار ولادتها عليها السلام عاملاً وأداةً فعّالة استعملها النبي (صلى الله عليه وآله) في منهج التغيير بالنسبة للجانب الاجتماعي، وتبديل مفرداته في حياة المرأة، فقد أثرى (صلى الله عليه وآله) البيت الإسلامي بالمفاهيم العالية التي تجعل من المرأة مركزاً أساساً للتربية والتنمية الإجتماعية.
إنّ شخصية الانسان المعنوية والفكرية والمادية تتقوم بركائز مهمة تعمل على رسم المعالم التي تحدد نوع تلك الشخصية، وقد تعلّمت الزهراء عليها السلام تلك الأسس والركائز من أبيها (صلى الله عليه وآله)، لما يتحلّى به من الصفات والملكات العظيمة، ولكون جميع ركائز الشخصية الإنسانية الروحية والأخلاقية هي مقتضى تربيته وبيئته وملكاته الفكرية التي نبتت فيها زهرة الأخلاق والقيم التي تجسدت في شخصية الصدّيقة عليها السلام في بيت النبوة تحت لواء التوحيد وراية الأخلاق الكريمة، ذاك هو بيت النبي صلى الله عليه وآله الذي قال عنه أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته:
(وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ ) فكيف لبيت أن يكون وعماده النبي صلى الله عليه وآله الذي وصفه تعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم:4 ، ذلك النبي صادق الأمين حيث لا صدق ولا أمانة في الجاهلية، ذلك النبي الذي شرح الله تعالى صدره بالوحي والقرآن وأبهى أنوار المحبة واللطف والكرامة.
ووفق هذه المعطيات فإن المرأة إذا أرادت أن تتخذ من سيدة النساء العالمين (عليها السلام) مثالاً ونموذجا لها، فينبغي لها متابعة تأريخ هذه الشخصية، وقدراتها في مواجهة الحياة، لاسيما ما يتعلق بالظلم الكبير بعد رحيل أشرف الأنبياء نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وانقلاب السلطة على الدين والناس، وتنكرها لحقوق بيت النبوّة الذي تمثله هذه المرأة العملاقة في تأريخ الإنسانية عامة، فهي تمثل نموذجاً فريداً لم ولن يوجد لها مثيل، وكل امرأة تقتدي بما أمكن من مفردات حياتها، تكون قد حققت الشخصية المستقيمة للمرأة، الشخصية القادرة على فهم حياة المرأة ودورها في هذا العالم لاسيما في زمن العولمة الغربية الذي كان التلاعب بركائز شخصية المرأة أحد أبرز ما هدف إليه أدعياؤها.
على كل امرأة سليمة الفكر أن تنطلق من قاعدة رصينة، فحياة ودور المرأة ليس بالقضية السهلة، إنما هي قضية مصيرية تتعلق بالنهج التربوي وآثاره المستقبلية وبقدرة المرأة على التعامل مع محيطها الذي يحوي فكراً صديقاً وآخر عدوّاً، والمرأة الفاطمية عليها مسؤوليات جسيمة، تتوزع بين الحفاظ على كرامتها وعفتها وبين التوجيه والتربية سواء كانت على مستوى النشاط الأسري أو البناءالاجتماعي، أما الشق الثاني فيتعلق بدور المرأة الفاطمية بالقضاء على الفساد بكل أنواعه، وكل امرأة من موقعها العملي والوظيفي، فاذا كانت إدارية يمكنها رصد الفساد، أو معلمة يمكنها مكافحة العنف ضد الطلبة، أو في أي مجال من مجالات الحياة، من المهم أن تكون المرأة الفاطمية فاعلة في جميع المجلات بثقة وإصرار مع الالتزام بالضوابط والقواعد والمبادئ المتعارفة التي وضعها الإسلام حماية للمرأة وللمجتمع في الوقت نفسه.