آداب التعلم

الحمد لله الذي رفع العلم والعلماء في آيات كريمات من كتابه العزيز حيث قال عز وجل: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[1]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ[2]، وهذا يدل على فضل العلم وأهله حيث جعل شهادة الملائكة وأهل العلم مقرونة بشهادته عزّ وجلّ دون غيرهم، وأن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول.

وقال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً[3]، فإن الله سبحانه وتعالى لم يأمر نبيه بالاستزادة من شيء إلا من العلم. كما نفى سبحانه التسوية بين أهل العلم وبين غيرهم، كما نفى التسوية بين أصحاب الجنة وأصحاب النار قال تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[4]، وقال تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ[5].

وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[6]، وقال تعالى: ﴿يَرْفَعْ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[7].

وجاء عن أبي عبد الله(عليه السلام)  قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر)[8].

وقال أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى كميل بن زياد: (يَا كُمَيْلُ: الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ، والْمَالُ تَنْقُصُه النَّفَقَةُ والْعِلْمُ يَزْكُوا عَلَى الإِنْفَاقِ، وصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِه.

يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ: مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِه، بِه يَكْسِبُ الإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِه، وجَمِيلَ الأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِه، والْعِلْمُ حَاكِمٌ والْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْه.

يَا كُمَيْلُ: هَلَكَ خُزَّانُ الأَمْوَالِ وهُمْ أَحْيَاءٌ، والْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ)[9].

وأجاد الشاعر حيث قال:

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم           على الهدى لمن استهدى أذلاء

وقدر كل امرئ ما كـان يحسنه       والجاهلون لأهل العلم أعـداء

ففز بعلم تعــــش حيّاً به أبداً          الناس موتى وأهل العلم أحياء

وبعد بيان أهمية العلم وفضله، كان لزاماً تبيان الآداب التي ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها، حتى يستطيع أن يصل بعلمه إلى بر الأمان، وتستقر سفينته على شط النجاة، وإليك أم تلك الآداب:

1. أن يكون تعلمه قربة لله تعالى طمعاً في جنته، وخوفاً من ناره، وطاعة له عز وجل، ويكون بذلك من أهل الفضل.

2. أن يحترم المعلم ويتأدب معه ويخضع له ويحبه بقلبه ويطيعه بجوارحه، إذ فضل العالم - كما تقدم - كبير ولا يعرفه إلا أهل الفضل، قال أمير المؤمنين(عليه السلام):
(إذا رأيت عالماً فكن له خادماً)[10]، وعنه(عليه السلام): (من حق العالم عليك أن تسلّم على القوم عامة وتخصه دونهم بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرنَّ عنده بيدك، ولا تغمزن بعينيك، ولا تقولنّ: قال: فلان خلافاً لقوله...)[11].

وقال(عليه السلام): (من وقَّر عالماً فقد وقَّر ربه)[12]

عن النبي(صلّى الله عليه وآله): (من استقبل العلماء فقد استقبلني، ومن زار العلماء فقد زارني، ومن جالس العلماء فقد جالسني، ومن جالسني فكأنما جالس ربي)[13].

3. أن يعمل بما يفهم ويعلم، لأن العلم مقرون بالعمل.

4. التعلم في الصغر، فقلب الصغير كالأرض الخالية ما ألقي فيها من بذر قبلته وأنبتت خيراً، وإن العلم في الصغر كالنقش على الحجر.

5. يشغل كل أوقات فراغه بالتفكر والعلم، وذلك بعد تنظيم وقته: فوقت للراحة، ووقت للتفكر، ووقت للمراجعة، ووقت للمباحثة والمشاورة، ووقت للسؤال والجواب ووقت للأهل والأحبة، وهكذا، يقول الإمام علي(عليه السلام)
في أخر وصية له للحسن والحسين (عليهما السلام): (أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وَلَدِي وأَهْلِي ومَنْ بَلَغَه كِتَابِي بِتَقْوَى الله ونَظْمِ أَمْرِكُمْ وصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ...)[14].

6. أن يكون في نفس المتعلّم اهتمام بنوع العلم الذي يطلبه فيدعوه الشوق إليه وحبه إلى السعي إليه.

7. يأخذ من العلم ما يفيده لآخرته، فالعلم أكثر من أن يحصى، وليس معنى ذلك أن يأخذ من العلم أسهله وأيسره، فكل علم له مفاتيح وأبواب ولا يصل لها المتعلم إلا بالمثابرة والمتابعة والتفكر والاجتهاد، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (من أكثر الفكر فيما تعلّم أتقن عِلمَه، وفهم ما لم يكن يفهم)[15].

فالعلوم مطالعها من ثلاثة أوجه: قلب مفكّر، ولسان معبّر وبيان مصوّر، فإذا عقل الإنسان الكلام بسمعه فهم معانيه بقلبه، وبعد ذلك يبقى له حفظها واستقرارها في ذاكرته فعن الإمام الصادق، عن آبائه، عن علي(عليهم السلام)، قال: (جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، ما حق العلم؟ قال: الانصات له، قال: ثم مه، قال: الاستماع له، قال: ثم مه، قال: ثم الحفظ، قال: ثم مه يا نبي الله، قال: العمل به، قال: ثم مه، قال: ثم نشره)[16].

8. على المتعلم أن يكون قانعاً بما لديه من الرزق الذي يغنيه عن طلب ما يحتاجه من الناس، ويدعو الله دائماً أن يعينه على التعلّم، قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من غدا في طلب العلم أظلّت عليه الملائكة، وبورك له في معيشته، ولم ينقص من رزقه)[17].

9. أن يسأل الطالبُ عن الشيء الذي يجهله، ولا يستحي من ذلك، فالعلم خزائن مفتاحها السؤال، ويؤجر في العلم وفي جواب السؤال القائل والمستمع من الناس لجواب المسألة، ويوم القيامة يحتج الله على عباده الجهلة، بأن يقول لهم: هلا تعلّمتم كي تعلموا.

ولكن ليس معنى هذا أن يكثر الإنسان السؤال بدون فائدة مرجوّة، فيضيع وقته ووقت العالم، مما يترتب عليه نتائج قد تؤدي به إلى الهلاك والضلال، فقد نُهي عن القيل والقال، وكثرة السؤال، فحسن السؤال نصف العلم.

10. إذا كان على المتعلّم صعوبة في تعلم شيء معين فعليه أن يبحث عن أسباب ذلك ويحاول أن يسدّ نقص نفسه في هذا العلم، وعليه أن لا يسرع إليه الملل بل يكون صابراً حتى يتعلّم، فمن لم يتحمّل ذلّ التعلّم ساعة بقي في ذلّ الجهل أبداً، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (على المتعلم أن يؤدّب نفسه في طلب العلم، ولا يملّ من تعلمه ولا يستكثر ما علم)[18]، وعنه(عليه السلام): (لا يحرز العلم إلا من يطيل درسه)[19].

11. أن يحترم المتعلّم ما يتعلّمه من العلوم، وأن يفرح إذا تعلّم شيئاً جديداً، ويحزن إذا لم يوفّق لذلك، ويدعو الله مع العلم أن يوفق للعمل.

12.  على المتعلم التواضع والتخلق بأخلاق أهل البيت(عليهم السلام)، فمن أتقن علماً من العلوم لا يأخذه الغرور والكبر على الآخرين، بل فليعلم أن كل ذلك بفضل الله وتوفيقه.

 


[1] سورة الرعد: آية19.

[2]     سورة آل عمران: آية18.

[3] سورة طه: آية114.

[4] سورة الزمر: آية9.

[5] سورة الحشر: آية20.

[6] سورة فاطر: آية28.

[7] سورة المجادلة: آية11.

[8] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص34.

[9] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص496.

[10] موسوعة أهل البيت(عليه السلام)، الشيخ هادي النجفي: ج7، ص272.

[11]    كنز العمال، المتقي الهندي: ج10، ص255.

[12] موسوعة أهل البيت(عليه السلام)، الشيخ هادي النجفي: ج7، ص272.

[13] كنز العمال، المتقي الهندي: ج10، ص170.

[14] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص421.

[15] موسوعة أهل البيت(عليه السلام)، الشيخ هادي النجفي: ج8، ص519.

[16] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص603.

[17] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج1، ص184.

[18] غرر الحكم، الآمدي: ح6197.

[19] موسوعة أهل البيت(عليه السلام)، الشيخ هادي النجفي: ج3، ص419.