(التعلّم في الصغر كالنقش على الحجر ) تكتسب هذه المقولة المباركة مكانة كبيرة إذا ما لاحظنا إن سنوات الطفولة الأولى هي سنوات حاسمة، يحقّق خلالها الطفل تعلّماً جسدياً وانفعالياً وذهنياً للحياة، وفي أفضل الحالات يكون الأطفال فضوليّين وإبداعيّين ومتلهفين إلى التعلم ومستقلين. وفي أسوأ الحالات يكونون معاندين ومتشبّثين بأهلهم بشكل مزعج.
إنّ شخصية الأطفال المتقلّبة من جهة، وجهلهم لمنطق الكبار من جهة أخرى، يجعلان منهم تلامذة يصعب التعامل معهم بالنسبة لمن يحاول تلقينهم مفاهيم حسن السلوك، فالأطفال يعيشون عالماً مثيراً بالنسبة لهم مثلما هو مثير بالنسبة لأهلهم، ومحاولة تعليمهم أيّ شيء تحقيقاً للهدف التربوي، قد يواجه بعض الصعوبات ولكنْ هذا لا ينبغي أنْ يثير العجب، فعلى الرغم من أنّ الفرق العمري بين الطفل وأبويه يقارب العشرين عاماً، أو أكثر عادة ولكن الفرق بينهم على مستوى التجربة والتفكير وضبط النفس قد يقاس بالسنوات الضوئية ! كما أنهم يختلفون من حيث الأفكار والمشاعر والمتطلبات والإحساس بقيمة الذات وقيمة الآخرين والعالم التي يعجز أكثرهم عن التعبير عنها بوضوح، وهم يكافحون خلال أعوامهم الأولى لكي يصبحوا كائنات بشرية مستقلة،
أن المهمة الأولى التي تنتظر الأهل هي تعليم هؤلاء الأطفال بطريقة يفهمونها، كيف يتصرّفون في عالم المنزل الحميم؟ وكيف يكونون في الخارج بين الناس؟ وعندما يتحمّل الأهل بصبر جميل نوبات الغضب التي تنفجر عند أطفالهم، فإنهم لا يهدفون إلى إعادة النظام والهدوء إلى أجزاء المنزل فحسب، بل يريدون بنهاية المطاف أن يبينوا لأطفالهم كيفية التعبير عن الإحباط والغضب بطريقة ملائمة أكثر، وعلى الأهل أن يكونوا القدوة الحسنة بأن يلتزموا هم أنفسهم بالسلوك الذي يرغبون بتعليمه أطفالهم؛ حتى يستشعر الأطفال بأهمية القيم التي تعلموها.
التعامل مع مشكلات الطفولة :
لأن الطفولة مرحلة تؤدي إلى حدوث مشاكل وصراعات بشكل طبيعي فلنعرف ما هي المشكلة التي تحتاج تدخلاً منّا لحلها ؟ لابد لنا من رعاية بضع خطوات منها:
1:ــ الأخذ بعين الاعتبار تكرار التصرف غير الجيد فالغضب الخفيف الكاشف عن خيبة صغيرة يمكن أن لا يُعتنى به مقابل الغضب الشديد الذي قد يضره بشدة فينبغي التدخّل لتخفيف حدة غضبه.
2:ــ تقدير درجة تسامح الأهل مع السلوك غير الجيد : فلو كان التصرّف غير الجيّد منسجماًً مع رأي مسبق للعائلة فسوف يرونه ظريفاً ولعل الأهل يقبلون سلوكاً ثم يرفضونه لاكتشافهم أن الآخرين لا يقبلون به، والعلاج الأنجع والأنفع هو انضباط الأهل بما يريدون تعليمه لأطفالهم مما يجعله طريقة فعالة للتعليم تقود إلى النظام والضبط.
3:ــ التمييز بين الطفل وسلوكه : عندما يتصرف طفلنا بطريقة سيئة فإن نعتنا له بأنه (متخلف وغبي )لأنه لم يجمع ألعابه مثلاً لن يحل المشكلة فلا الطفل سيتعلم النظام ولا أن الألعاب ستُجمع تلقائياً، بل أن خطورة هذا التصرف أنه يشوه صورة الذات في نفس الطفل، لعله يؤدي إلى تحول حاسم وسريع للطفل نحو ما نُعت به [أي نحو الغباء والتخلف كما في المثال أعلاه].
قواعد مهمة لتربية ناجحة :
1- يمكن للآباء الحصول على نتائج أفضل عندما يركزون على أمور ملموسة يستوعبها الطفل بدلاً من أمور مجردة وغامضة، لذا لا تطلب من طفلك أن يكون منظّماً بل اشرح له بأنكم تريدون منه أن يجمع ألعابه قبل أن يتركها.
2- علًموا أطفالكم كيف يطلبون أشياءهم وما هي الأشياء التي يمكن أن يفوز بها ومتى يكون الأمر كذلك وبهذا تقودونهم خطوة خطوة لما ترغبون به.
3- توجيه المدح إلى العمل الذي قام به الطفل لا إلى شخصه والتركيز على هذا الأمر كأن تقول له (إنك تجلس بهدوء، أو هذا شيء جميل بدلاً من أن تقول له (أنت لطيف لأنك تجلس بهدوء) فإنكم بمديحكم هذا تزرعون في ذهن الطفل ما تنتظرونه منه مستقبلاً وتذكرونه بالطريقة الجيدة في التصرف .
4- إن الحضور والمراقبة الذكية للتصرف مما لابد منه لتوجيههم نحو عادات حسنة ولكنْ ليكن ممارسة الأب والأم لسلطتهما عن طريق محايد كقولهم له النوم ضروري عندما يدق جرس الساعة المنبهة.
5- لا تكن مؤرخاً: تذكر طفلك بما اقترف من أخطاء فان ذلك يدفعه للانزعاج ومعاودة ارتكاب الخطأ نفسه والأنسب للأب أن يذكر الطفلَ بما يجب عليه فعلُه لا أن يذكره بما يجب اجتنابه.
6- تجنب الصراخ والضرب فلو كان الضرب والصراخ ُ الشكلَ الوحيد من الاهتمام، فأن ذلك سيدفع الطفل لمزيدٍ من المشاكسة للحصول على الاهتمام، نسأله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى في كل مورد والحمد لله رب العالمين.