الخطابة هي القابلية على صياغة الكلام بأسلوب يمكِّن المتكلم من التأثير على نفس المخاطب، وقد عرّفها أرسطو بأنّها (قوّة تتكلّف الإقناع الممكن)، وللخطابة مقوّمات أساسية تتصل بالخطيب بشكل مباشر، هي: الفكرة، والأسلوب، والإلقاء المحكم.
أمّا الفكرة: فتتشخّص فيما يمتلك الخطيب من عمق وإدراك، وفهم للحياة ومدى سبره لغورها وفهمه لأحوالها.
وأمّا الاسلوب: فيشير إلى قابليته على صياغة الكلام بأسلوب جامع لقواعد اللغة من نحو وبلاغة، وشامل لأصول المعالجة المنطقية والعلمية للأمور.
وأمّا الإلقاء المحكم: فيمثّل لبّ الخطابة، والأداة التي تمكّن الخطيب من تقديم ما أعدّه من أفكار بأحسن الأساليب إلى المخاطب، وذلك من خلال تقمّصه لكلّ فنون الخطابة من رفع الصوت وقت الضرورة وخفضه عند الحاجة، وتنميق أسلوبه بالتعابير العاطفية من الغضب والحبّ، والسرور والسخرية، والإعجاب وإثارة الحماس والاستنفار، وروح التفكّر والتدبّر وغيره، ويبتعد عن التأتأة والتردد والتكرار الممل.
وللخطابة أصول وقوانين، من سار في طريقها عُدَّ خطيباً، وهو يُعنى بدراسة طرق التأثير، ووسائل الإقناع، وصفات الخطيب، وما ينبغي أن يتجه إليه من المعاني في الموضوعات المختلفة، وما يجب أن تكون عليه ألفاظ الخطبة، وأساليبها، وترتيبها.
ولا شك أن الخطابة منصب خطير، لا يصل إليها طالبها بيسر، بل يحتاج إلى زاد عظيم، وصبر ومعاناة، واحتمال للمشاق، ليصل إلى تلك العناية السامية فلا بد للخطيب أن يتحلى ببعض الآداب التي تعينه على النجاح وتمام الفائدة المرجوة وطرق تحصيلها ما يأتي:
1. الاستعانة بالله: الخطيب الناجح هو الذي يحرص على الاستعانة بالله في كل الظروف والأحوال، فهو يستعين بالله في الإعداد، وحسن الأداء، وجمال الإلقاء.
2. الإخلاص: الإخلاص هو روح الأعمال، وسر قبولها، وبه يجمع الله سبحانه وتعالى القلوب، فالإخلاص عامل هام في النجاح والتأثير، وينبغي على الخطيب أن يحذر من أمراض القلوب، وأن يبتعد عن الغرور والرياء وحب الظهور.
3. القدوة الحسنة: ينبغي على الخطيب أن يكون قدوة حسنة، وأن يكون سلوكه قويماً، وأن يعمل بما يقول، وأن يكون إماماً فيما يدعو إليه.
4. الشجاعة: لا بد أن يكون الخطيب شجاعاً لا يخاف إلا الله، فهو صاحب رسالة، فينبغي أن يكون شجاعاً ليستطيع تبليغ الحق المبين، وتجلية حقائق الإسلام، وعلاج المشكلات بكل وضوح وصراحة، ومحاربة الظلم، وفضح الباطل، وإقرار العدل.
5. الموهبة: إن نجاح الخطيب في مهمته فيه جانب يكتسبه عن طريق كتب فنون الخطابة وآدابها، والاستماع إلى الخطباء، والاستفادة منهم، وجانب الموهبة التي يمنحها الله للإنسان وذلك بحب الخطابة، والميل إليها والانسجام معها.
6. قوة الملاحظة: يجب أن تكون نظرات الخطيب إلى سامعيه نظرات فاحصة كاشفة، يقرأ من الوجوه خطرات القلوب، ومن اللمحات ما تكنّه نفوسهم نحو قوله، ليجدد من نشاطهم، ويذهب بفتورهم ولتتصل روحه بأرواحهم، ونفسه بنفوسهم.
7. حضور البديهة: لتسعفه بالعلاج المطلوب إن وَجد من القوم إعراضاً، والدواء الشافي إن وجد منهم اعتراضاً، وقد يلقي الخطيب خطبته فيجد بعض السامعين معترضاً، أو طالباً الإجابة عن مسألة، فإذا لم تكن البديهة حاضرة كي يجيب الخطيب إجابة سهلة موثقة وإلا ضاعت الخطبة، وآثارها.
8. طلاقة اللسان: تعد طلاقة اللسان من ألزم صفات الخطيب، وأشدها أثراً في انتصاره في ميادين القول.
9. رباطة الجأش: يجب أن يقف الخطيب مطمئن النفس، هادئ البال، قوي الجنان، غير هيَّاب ولا وجل، وغير مضطرب ولا منفعل.
10. القدرة على مراعاة مقتضى الحال: يجب على الخطيب أن يكون قادراً على إدراك وضع الجماعة، وما تتطلبه من تذكير وإصلاح، وما يصلح لها من أساليب ملائمة، ومن توجيهات مناسبة يراعي فيها المصلحة واقتضاء الحال.
11. إيمانه فيما يدعو إليه: يجب على الخطيب أن يمتلئ حماسة فيما يدعو إليه، واعتقاداً بصدقه؛ لأن ما يخرج من القلب يدخل القلب، فلا بدّ أن تكون حماسة الخطيب أقوى من حماسة سامعيه؛ ليفيض عليهم، ويروي غليلهم، وإلا أحسّوا بفتور نفسه، فضاع أثر قوله.
12. النفوذ وقوة الشخصية: الخطيب الناجح هو الذي يتمتع بقوة الشخصية، وإشراقة الروح، وسداد الرأي، وسعة العلم، وتأثير نصائحه ومواعظه.
13. حسن الهيئة: يجب على الخطيب أن يراعي الهيئة الحسنة في زِيّه، ويهتم بكل ما يجعل هيئته حسنة، وأن تتزن حركاته، وعليه أن يبتعد عن الحركات سواء باليد أو الرأس أو غير ذلك، التي تجعل منه ممثلاً رخيصاً ومثاراً للضحك والتندّر.
زاد الخطيب:
إن الخطيب الناجح لا بدّ أن يتزوّد بزاد يتناسب مع مهنته، وأهم ما يتزوّد به الخطيب ما يلي:-
1. القرآن الكريم: ينبغي على الخطيب أن يكون وثيق الصلة بالقرآن، كثير التلاوة له، متقناً تجويده، مجتهداً في حفظه.
2. الحديث الشريف: على الخطيب أن يكون جليس كتب الحديث الشريف وأن يطلع على أكبر قدر من أبواب الحديث، كما عليه أن يحفظ قدراً كبيراً من الحديث يمكنه من الاستشهاد بسنة سيد المرسلين وأهل بيته(عليهم السلام) في شتى المناسبات، ومختلف المجالات.
3. السيرة والتاريخ: ينبغي على الخطيب أن يهتمّ بقصص الأنبياء(عليهم السلام)، ويدرس سيرة الرسول وأهل بيته(عليهم السلام) دراسة خاصة من زوايا متعددة.
4. الأحكام الفقهية: ينبغي على الخطيب أن يكون مُلِمَّا بكثير من الأحكام الفقهية؛ ليقدّم للناس الحلول العملية من الأحكام الإسلامية.
5. الحِكَم والأمثال: من أعظم الأساليب المؤثّرة الحِكَم والأمثال، فهي كلمات مختصرة، تجمع خلاصة معانٍ، وحصاد تجارب لها أبعادها في النفس، والخطيب الموفق هو الذي يحرص على حفظ أكبر قدر من الحِكَم والأمثال ليستشهد بها في مواضعها.
6. السياسة والتيارات الفكرية: يجب على الخطيب أن يطّلع على أحداث الناس وقضايا الساعة، ويقدِّم للناس فهم الإسلام في شتى ميادين الحياة.