آداب استغلال الوقت وأهميته

لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعم عدّة، وأمره أن يسخّرها في طاعته تعالى‏،‏ وفي ما ينفعه في حياته الدنيا وفي الآخرة‏،‏ ومن هذه النعم نعمة الوقت التي امتنَّ اللهُ سبحانه وتعالى بها على عباده في قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ[1]، بل أقسم عز وجل بأجزاء من الوقت في مواطن عدة، فقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[2]، وقال: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى* وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى[3]، وقال: ﴿وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى[4]، وقال: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ[5]، فأقسم ربنا عز وجل بهذه الأوقات، حتى نعلم قيمتها، ونصونها، ونحفظها، ولا نعمل فيها إلا خيراً.

وحدد الله سبحانه وتعالى في شريعته غالب العبادات بالوقت، فالصلوات الخمس لها أوقات معينة لا تصح قبلها ويحرّم تأخيرها إلا لعذر، وكذلك صوم رمضان، وحج البيت، والزكاة، وغير ذلك من العبادات.

وينبّه الرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله) بسنّته القولية والفعلية على استثمار الوقت بما ينفع، ويحذّر من إضاعة الأوقات سدى، فيقول: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)[6]، وعنه(صلّى الله عليه وآله): (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وشبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت)[7]،  وعنه(صلّى الله عليه وآله): (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)[8].

خصائص الوقت:

على الإنسان أن يدرك الخصائص الخاصة بالوقت، التي إذا أدركها استطاع أن يغتنم ذلك الوقت، -وهذه الخصائص ينبغي للإنسان أن يُبلورها، ويسعى لاستغلالها، حتى يصل إلى الأهداف المبتغاة- والتي أهمها:

أولها: سرعة انقضاء الوقت: إنّ الوقت يمر أسرع من مر السحاب، أي ينقضي بسرعة هائلة، وقد أشار الذكر الحكيم إلى هذه الخصيصة في بعض آياته الكريمة: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا[9]، فالوقت يمضي بسرعة فائقة، فإذا عَلّمَ الإنسان ذلك السير السريع للوقت استطاع أن يلتفت، ويدرك أهمية ذلك الوقت الذي يمر عليه، وذلك بالمبادرة والعمل في نفس اللحظة والوقت دون تسويف أو تأجيل، ولا بد من التركيز على هذه النقطة الهامة التي أفصحت عنها آيات الذكر الحكيم، كقوله تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ[10]،
كما أنّ القرآن الكريم ذكر أنّ من سمات وخصائص الأنبياء والرسل المبادرة والاغتنام السريع للوقت، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[11]، وأيضاً أبان القرآن سمات الصالحين السائرين على نهج الرسل في اغتنام الوقت، وذلك في قوله تعالى:
﴿يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ[12].

وثانيها: صعوبة تلافي الوقت المنصرم: إن ما ينقضي من الوقت لا يستطيع الإنسان أن يتلافاه ويعوض ما فاته فيه إلا بجهد كبير وتعب شديد، لا يتاح لكل إنسان تحقيق ذلك بسهولة ويسر، وإنما يحتاج إلى دأب في العمل وجهد في بذل قدراته لتلافي ما انقضى من الوقت، ففي كثير من الأحيان لا يستطيع الإنسان أن يعوض ما فاته في ذلك الوقت فيندم على إضاعته، ولذلك ترون الشعراء والأدباء يرددون:

ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً             فأُخبرَهُ بما فَعــلَ المشيبُ

لأنّ الإنسان إذا مرت عليه تلك الأوقات التي كان يتمتع فيها بكامل قدراته ثم انقضت، لا يستطيع أن يعوض تلك الفُرص التي هي أغلى من الألماس في زمن شيبته وهرم جسده.

وثالثها:  الوقت هو الحياة: كذلك من خصائص الوقت إنه هو الحياة، فينبغي أن ننتبه إلى ذلك، باعتبار أنّ الزمن الذي يعيشه الإنسان هو الحياة، وبانقضائه تنقضي حياته حيث لا يستطيع أن يُدرك ما يُريد أن يُدركه، وأن يحقق ما كان يصبو إلى تحقيقه، وبالتالي لن يستطيع أن يصل إلى مراده، فالوقت هو حياتنا، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يفرط في حياته، وقد أكد القرآن على هذه الحقيقة في قوله تعالى:
﴿وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[13].

لذا ينبغي علينا جميعا مراعاة ما يلي:

1. أن يجعل الإنسان برنامجاً أسبوعياً منظماً، ومسجلاً على ورقة مثلاً، يحدد فيه كيفية استغلاله لأيامه ولياليه فمثلاً:

2. يحدِّد أوقاتاً معيّنة يزور فيها الوالدين وأرحامه.

3. يحدِّد وقتاً لأفراد أسرته؛ لإسعادهم، والجلوس معهم، وبحث مشاكلهم.

4. يحدِّد وقتاً لراحته الجسدية ولنومه، لينطلق بعدها نشيطاً إلى عمله.

5. يحدِّد وقتاً لقراءة القرآن والأذكار، فليحاول الإنسان أن يعود لسانه على ذكر الله عز وجل، والصلاة على النبي وآله في كل مكان، فعن النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله)
أنه قال: (نزل جبرائيل(عليه السلام) إليّ. وقال: يا محمد! ربك يقرئك السلام، ويقول لك: كل ساعة تذكرني فيها، فهي لك عندي مدخرة، وكل ساعة لا تذكرني فيها، فهي منك ضائعة)[14].

وليدعو الله بدعاء أمير المؤمنين(عليه السلام) أن يوفقه لذلك بقوله: (يا رب أسالك بحقك، وقدسك، وأعظم صفاتك واسمائك، أن تجعل أوقاتي من الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة...)[15].

6. يحدِّد وقتاً معيَّناً يومياً يحاسب فيه نفسه، قال الإمام الكاظم(عليه السلام): (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه)[16].

7. ليعلم الإنسان أن الحياة قصيرة جداً واليوم الذي يمضي لا يعود فليحاول أن يستغل أوقاته استغلالا مثمراً على قدر الاستطاعة والإمكان، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (إنما أنت عدد أيام، فكل يوم يمضي عليك يمضي ببعضك)[17].

ويقول الشاعر:

دقات قلب المرء قائلة له     إن الحياة دقائق وثوان

8. أن لا يكثر من النوم وأوقات الفراغ فعن الإمام الكاظم(عليه السلام): (إِنَّ الله جَلَّ وعَزَّ يُبْغِضُ الْعَبْدَ النَّوَّامَ الْفَارِغَ)[18].

ويقول الشاعر:

إذا عـــاش الفتى سبعين عاماً            فنصف العمر تُمحقه الليالي

ونصف النصف من سهو ولهو          ولا يدري يمينا عن شمـال

ونصف الربع آمال وحـــرص          وشغل بالمكاسب والعيـال

وباقي العمر آمال وشـــــيب            تدل على زوال وانتـــــقال

فحب المرء طول الدهر جهـل          وقسمته على هذا المـــثال

9. على الإنسان أن يعوض ما فاته فيما بقي من عمره، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام):
(لو اعتبرت بما أضعت من ماضي عمرك لحفظت ما بقي)[19].

10. على الإنسان أن ينجز من الأعمال الأهم ثم المهم، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام):
(من شغل نفسه بما لا يجب، ضيّع من أمره ما يجب)[20].

11. يستحب أن يختار الإنسان وقتاً مناسباً لبدء كل عمل فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (الأمور مرهونة بأوقاتها)[21].

12. لا تجعل الأعمال تتراكم عليك، بل اجعل لكل عمل زمناً محدداً.

13. التعجيل في استغلال فرص الخير، لأنك لا تدري إن كنت توفق لإنجازها مرة أخرى، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (الفرصة تمر مر السحاب، فانتهزوا فرص الخير)[22].

14. استخدم الوسائل الحديثة لاختصار الوقت، فأجهزة الكمبيوتر الحالية ووسائل الاتصال المتطورة يمكنها اختصار الكثير من الأوقات.

15. استعن بالآخرين لإنجاز بعض الأمور، فبالتعاون يمكن أن يختصر الإنسان الكثير من الأوقات ويؤدي الكثير من الأعمال، فالعمل الجماعي أكثر وأسرع إنتاجاً من العمل الفردي.

16. لا تدع أحداً يضيّع وقتك وأوقات الآخرين.

17. أن يستغل أوقات الفراغ الإجبارية، مثل انتظاره لدوره في مكان عمل، أو مستشفى، أو غيره، بقراءة الكتب المفيدة، أو يأخذ معه دفتر صغير يسجل فيه ملاحظاته المهمة.

18. يستحب الإكثار من هذه الأذكار: (سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) (استغفر الله) (الحمد لله كثيراً على كل حال) (360) مرة إذا أصبح وإذا أمسى. (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) (لا حول ولا قوة إلا بالله) الإكثار من الصلاة على النبي وآله.

19. أفضل الأوقات لاستجابة الدعاء: (بعد الفجر إلى طلوع الشمس، وعند زوال الشمس (الظهر)، وبعد المغرب، وعند الآذان، وعند قراءة القرآن، وعند نزول المطر، والثلث الأخير من الليل، وعند توجه القلب إلى الله عز وجل ودمع العين، وعند الجهاد).

20. فتش عن الراحة النفسية الحقيقية: عن الإمام الصادق(عليه السلام): (لا راحة لمؤمن على الحقيقة إلا عند لقاء الله، وما سوى ذلك ففي أربعة أشياء: صمت تعرف به حال قلبك ونفسك فيما بينك وبين بارئك، وخلوة تنجو بها من آفات الزمان ظاهراً وباطناً، وجوع تميت به الشهوات والوسواس والوساوس، وسهر تُنوّر به قلبك وتُنقّي به طبعك و تزُكّي به روحك)[23].

 


[1] سورة     إبراهيم: آية33.

[2]     سورة العصر: آية1-2.

[3]     سورة الليل: آية1-2.

[4]     سورة الضحى: آية1-2.

[5]     سورة الفجر: آية1-4.

[6]     الأمالي، الشيخ الطوسي: ص526.

[7]     المصدر السابق: ص93.

[8]     مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج12، ص14.

[9]     سورة النازعات: آية46.

[10] سورة آل عمران: آية133.

[11] سورة الأنبياء: آية90.

[12]    سورة آل عمران: آية144.

[13]    سورة المنافقون: آية11.

[14]    إرشاد القلوب، الديلمي: ج1، ص49.

[15]    إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس: ج3، ص336.

[16]    الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص453.

[17]    غرر الحكم، الآمدي: ص159، ح3028.

[18]    الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص84.

[19]    غرر الحكم، الآمدي: ص159، ح3038.

[20]    المصدر السابق: ص235، ح4724.

[21]    غوالي اللآلي، ابن أبي جمهور الأحسائي: ج1، ص293.

[22]    بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج68، ص337.

[23]    بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج69، ص69.