نحن لسنا بحاجة إلى إثبات مشروعية الاستخارة بأشكالها المتداولة اليوم إلى قيام دليل خاص بل تكفينا أدلّة الحث الشديد على الدعاء والتي تجعل منه عبادة بأسمى معانيها: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [1]، إذ من الواضح أن الذي يقبض المسبحة ونحوها من وسائل الاستخارة يأخذ بالدعاء والإلحاح على الله سبحانه في تشخيص واقع الأمر المجهول عليه، وأي محذور في أن يطلب المؤمن أثناء دعائه تشخيص الواقع المجهول له من خلال المسبحة وغيرها؟
حيث تعني الاستخارة في اللغة طلب الخيرة في الشيء، وهي استفعال من الخير، فاستخار فلان أي: طلب الخير، واستخار فلانٌ اللهَ أي: طلب منه الخير بهذا الفعل، والخيرة -بكسر الياء- اسم من خار الله لك أي: أعطاك ما هو الخير لك، وأما الخيَة -بفتح الياء- فهو الاسم من قولك: اختاره الله تعالى[2].
فيرتبط مفهوم الخيرة -بفتح الياء- بالاختيار، ومنه قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)[3]، أي ما كان لهم الاختيار في ذلك. وذكر ابن إدريس الحلّ أنّ الاستخارة في كلام العرب هي الدعاء[4].
من هنا يتبيّ أنّ الاستخارة هي عمليّة طلب للخير، فتستخير أي تطلب الخيرة، وتستخير الله في الفعل الفلاني أي تطلب منه الخير فيه.
ولذا يستحب ان يستخير الإنسان ربه خصوصاً إذا وقع في حيرة فقد ورد في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين(عليه السلام): ((يَا عَلي مَا حَارَ مَن اسْتَخَارَّ وَلا نَدِمَ مَن اسْتَشارَّ ))[5].
وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): ((قال الله عز وجل: (مِنْ شَقَاءِ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ اَلْعْملَ فَلاَ يَسْتَخِيرَنِ) ))[6].
والخيرة التي بموجبها يستطيع الإنسان ان يحدد رأيه هي هدية من الله عز وجل فليعرف الإنسان قدر هذه الهدية ويشكر الله على ذلك.
وينبغي للإنسان المستخير أن يراعي بعض الآداب والسنن والتي منها:
1- أن يغتسل غسل الاستخارة ويتوضأ ويصلي ركعتي الاستخارة ويتوجه بوجهه إلى القبلة، قال الإمام الصادق(عليه السلام): ((كانَ أبي إذا أرادَ الاستخِارَةَ فِ الأمَرِ تَوَضَّأَ وصَلّ رَكعَتَينِ، وإن كانَتِ الخادِمَةُ لَتُكَلِّمُهُ فَيَقولُ: ((سُبحانَ الله )) ولا يَتَكَلَّمُ حَتّى يَفرُغَ ))[7].
2- أن تكون الاستخارة بالمأثور عن أهل البيت (عليهم السلام).
3- أن يرضى الإنسان المستخير بما اختار الله عز وجل، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): ((مِن سعادَةِ ابنِ آدَمَ اسْتَخارَتُهُ الله ورِضاهُ بما قَضى الله، ومِن شِقْوَةِ ابنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتخِارَةَ الله وسَخَطُهُ بما قَضى اللُه))[8].
4- لا تكرر الاستخارة في موضع واحد إلا بعد تبدل الموضوع أو تبدل بعض خصوصياته، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): ((مَنِ اسْتَخارَ اللهَ مَرّةً واحِدَةً وهُو راضٍ بهِ خارَ الله لَهُ حَتمْاً))[9].
وعنه(عليه السلام): ((ما مِن عَبدٍ مؤمنٍ يَسْتَخيرُ اللهَ في أمْرٍ يُريدُهُ مَرّةً واحِدَةً إلّا قَذفَهُ بخَيرِ الأمْرَينِ ))[10].
5- أن لا تكون الاستخارة في أمر محرم (كقطع الرحم).
6- أن لا تكون الاستخارة في أمر غير مرجوح (كسفر خال من أي داع عقلائي).
7- ان تكون الاستخارة في مورد الحيرة حقيقة، وأما الأمر الواضح فلا استخارة فيه، كعلاج اتفق عليه الأطباء أو شراء واضح الرجحان، أو الزواج من كفؤ مع عدم وجود خيار آخر.
8- القيام بلوازم الاستخارة من حيث إعطاء العمل حقه، فإن مجرد حسن الاستخارة في أمر قد لا يعطى ثماره إذا تكاسل العبد في الأمر كما قد يستخير على تجارة، فتكون الاستخارة راجحة، فيقدم عليها، ولكنه بالإهمال يؤول أمره إلى الإفلاس، فلا ينبغي أن يعتب على المستخير بذلك.
9- عدم القيام بالاستخارة تجربة للحظ، فإنه مع عدم الاعتقاد بالأمر، لا يحسن القيام بالاستخارة، لما فيه من شبهة الوهن والاستخفاف.
10- ليس من الاستخارة معرفة ان الأمر يتحقق أو لا يتحقق، أو لتقييم الأشخاص سلباً أو إيجاباً، بل إن الاستخارة إنما هي لمشورة المولى، في الإقدام على العمل المشروع، أو الإحجام عنه.
أوقات الاستخارة:
هناك ساعات خاصة من أيام الأسبوع يفضل فيها الاستخارة، وإنّ اختيار هذه الساعات إنما هو على المشهور وإن لم نجد بذلك حديثا من أهل البيت (عليهم السلام) فقد ذكر:
- يوم الأحد: حسن إلى الظهر ثم من العصر إلى المغرب.
- يوم الاثنين: حسن إلى طلوع الشمس ثم من وقت الغداء إلى الظهر ومن العصر إلى العشاء الآخر.
- يوم الثلاثاء: حسن من وقت الغداء إلى الظهر ثم من العصر إلى العشاء الآخر.
- يوم الأربعاء: حسن إلى الظهر ثم من العصر إلى العشاء الآخر.
- يوم الخميس: حسن إلى طلوع الشمس ثم من الظهر إلى العشاء الآخر.
- يوم الجمعة: حسن إلى طلوع الشمس ثم من الزوال إلى العصر.
- يوم السبت: حسن إلى وقت الغداء ثم من الزوال إلى العصر[11].
[1] غافر: 60.
[2] راجع: الصحاح: ج 2، ص 652 ، ولسان العرب: ج 4، ص 258 .
[3] الأحزاب: 36.
[4] السرائر: ج 1، ص 314 .
[5] البحار: ج 88 ، ص 225.
[6] الوسائل: ج 8، ص 79 .
[7] الوسائل: ج 8، ص 66 .
[8] البحار: ج 74 ، ص 159 .
[9] البحار: ج 88 ، ص 256 .
[10] البحار: ج 88 ، ص 257.
[11] أمالي الشيخ الطوسي: ص 293 .