آداب الحج إلى بيت الله الحرام

قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ[1].

لاشكّ في أنّ الحجّ هو أحد أكبر الفرائض الإسلامية، وأعظم شعائر الدين، وأفضل الأعمال التي يُراد بها التقرّب إلى الله تعالى، وهو ركنٌ من أركان الدين، وتركه -مع الاعتراف بثبوته -معصية كبيرة كما أن إنكار أصل الفريضة -إذا لم يكن مستنداً إلى شبهة- كفر.

والحج ذلك المؤتمر الإسلامي الكبير، والتظاهرة الإيمانية الرائعة التي تشترك فيها مختلف الفئات والطبقات، والقوميات في موعد واحد، وعلى أرض واحدة، يرددون هتافاً واحداً، ويمارسون شعاراً واحداً، ويتجهون لغاية واحدة، وهي الإعلان عن العبودية والولاء لله وحده، والتحرر من كل آثار الشرك والجاهلية، بطريقة جماعية، تؤثر في النفس، وتشبع المشاعر والأحاسيس بوحي من الإيمان، ومداليل التوحيد.

والحج كما صرح القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة إلى جانب كونه عبادة وتقرباً إلى الله سبحانه، فإن فيه منافع اجتماعية، وفوائد ثقافية، واقتصادية، وسياسية، وتربوية، تساهم في بناء المجتمع الإسلامي، وتزيد في وعيه وتوجيهه، وتساهم في حل مشاكله، وتنشيط مسيرته.

ففي الحج يشهد المسلمون أروع مظاهر المساواة، والتواضع، والأخوة الإنسانية، بإلغاء الفوارق والأزياء، وخلع أسباب الظهور الاجتماعي، والظهور باللباس العبادي الموحد (لباس الإحرام)، حيث يشعر الجميع بوحدة النوع الإنساني، وبالأخوة والمساواة.

وفي الحج يستشعر المسلمون وحدة الأرض، وحدة البشر، ويساهمون في عملية إسقاط الحدود التي صنعتها الأنانيات والأطماع البشرية والتي هي: الإقليمية، والقومية، والعنصرية.

وفي الحج إعداد وتربية لسلوك الفرد ونوازعه، ففي الحج يتعوّد الحاج الصبر، وتحمّل المشاق، وحسن الخلق، من اللطف، والتواضع، واللين وحسن المحادثة، والكرم والتعاطف، والامتناع عن: الكذب، والغيبة، والخصومة، والتكبر... الخ، وهكذا شاء الله أن يكون الحج محراباً للعبادة، وموسماً للتربية والتوجيه، ومجالاً للمنفعة وتحقيق المصالح الاجتماعية للإنسان.

واعلم أن للحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، آداباً كثيرة ينبغي لمَن عزم الحجّ أن يراعيها وأن يحرص عليها، حتّى يؤدّي نُسُكَه على الوجه المشروع، ويكون حجُّه مبروراً متقبّلاً، منها آداب قبل السّفر، وآداب أثناء السّفر، وآداب أثناء تأدية أعمال الحجّ.

آداب قبل السفر:

وهي أمور كثيرة نذكر منها:

1. إخلاص النية: فقد ورد عن النبي(صلّى الله عليه وآله): (يأتي على الناس زمان يكون فيه حج الملوك نزهة، وحج الأغنياء تجارة، وحج المساكين مسألة)[2].

2. تعلم المناسك: كي يؤديها بشكل صحيح، قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (تعلموا مناسككم فإنها من دينكم)[3].

3- تطهير المال: فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (إذا خرج الرجل حاجّاً بنفقةٍ طيبةٍ، ووضع رجله في الغرز (الغرز: ركابُ كُورِ الجمل إذا كان من جلدٍ أو خشب، وقيل: الركاب للسَّرج) فنادى: لبيك اللهم لبيك ناداه منادٍ من السماء: لبيك وسعديك زادُك حلال وراحلتُك حلال، وحجُّك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك، ناداه منادٍ من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادُك حرام ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور)[4].

4. إعلام إخوانه المؤمنين بالسفر: فعن النبي(صلّى الله عليه وآله): (حق على المسلم إذا أراد سفراً أن يُعلم إخوانه وحق على إخوانه إذا قَدِم أن يأتوه)[5].

5. الوصية عند الخروج: خصوصاً بالحقوق الواجبة، ففي الخبر عن الإمام الصادق(عليه السلام): (من ركب راحلته فليوصِ)[6].

6. التصدق بما تيسر: عند افتتاح السفر ليشتري سلامته بها.

آداب أثناء السفر:

1. الدعاء عند الخروج للحج: فعن الإمام الصادق(عليه السلام): (إذا خرجت من بيتك تريد الحج والعمرة إن شاء الله فادْعُ دعاء الفرج، وهو: (لا إلَهَ إلا اللهُ الحليمُ الكريمُ، لا إلهَ إلا اللهُ العليُّ العظيمُ، سبحانَ اللهِ ربِّ السماواتِ السبْعِ، وربِّ الأرضينَ السْبعِ، وربِّ العرشِ العظيمِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين)، ثمَّ قل: (اللهُمَّ كن لي جاراً من كُلِّ جبّارٍ عنيد، ومن كُلِّ شيطانٍ مريد)، ثم قل: (بسم اللهِ دخلتُ، وبسم اللهِ خرجتُ، وفي سبيل اللهِ، اللهُمَّ إنّي أُقدِّمُ بين يدي نسياني وعجلتي...إلخ)، فإذا جعلت رجلكَ في الركاب -أي عند التهيؤ لركوب وسيلة النقل من سيارة أو غيرها- فقل: (بسم الله الرحمن الرحيم، بسم اللهِ واللهُ أكبرُ)، فإذا استويت على راحلتك -أي إذا استقر بك الجلوس في موضعك من واسطة النقل- واستوى بك محملك فقل: (الحمدُ للهِ الذي هدانا للإسلامِ، وعلَّمنا القُرآن، ومنَّ علينا بمحمّدٍ صلّى الله عليه وآله...))[7].

2. حُسْن الخُلق: قال النبي(صلّى الله عليه وآله) في سفر خرج فيه حاجّاً: (من كان سيّئ الخلق والجوار فلا يصحبنا)[8]، وعن الإمام الباقر(عليه السلام): (ما يعبؤ من يسلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاثُ خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحِلْمٌ يملكُ به غضبَه، وحُسْن الصُّحبة لمن صَحِبه)[9].

3. إعانة الأصحاب: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من أعان مؤمناً مسافراً نفّس الله عنه ثلاثاً وسبعين كربة، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغم والهم، ونفّس عنه كربه العظيم يوم يغصّ الناس بأنفاسهم)، وفي خبر آخر (حيث يتشاغل الناس بأنفاسهم)[10].

وقال إسماعيل الخثعميّ: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): (إنّا إذا قدمنا مكّة ذهب أصحابنا يطوفون ويتركوني أحفظ متاعهم، قال: أنت أعظمهم أجراً)[11].

4- التحفظ على النفقة: وعن صفوان الجمّال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): (إنّ معي أهلي وأنا أُريدُ الحجّ، فأشدّ نفقتي في حَقوي[12]؟ قال: نعم، فإنَّ أبي(عليه السلام) كان يقول: من قوّة المسافر حفظ نفقته)[13].

آداب عند تأدية أعمال الحج:

1. الْمُقام بمكّة قبل الحجّ: عن الإمام الصادق(عليه السلام): (مُقام يوم قبل الحج أفضل من مُقام يومين بعد الحجّ)[14].

2. الطواف نيابة عن الأئمة(عليه السلام): عن موسى بن القاسم: (قلت لأبي جعفر الثاني الإمام الجواد(عليه السلام) قد أردت أنْ أطوف عنك وعن أبيك، فقيل لي: إنَّ الأوصياء لا يُطاف عنهم، فقال لي: بَل طُفْ ما أمكنك، فإن ذلك جائز).

3. إِشراك الغير في ثواب الحجّ: عن الإمام الصادق(عليه السلام): (لو أشركت ألفاً في حجّتك لكان لكل واحد حجة، من غير أن تنقص حجّتك شيئاً)[15].

4. التصدق بعد تأدية مناسك الحج: عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (ينبغي للحاجّ، إذا قضى نسكه وأراد أن يخرج، أن يبتاع بدرهمٍ تمراً فيتصدق به، فيكون كفّارة لما لعلّه دخل عليه في حجّه من حكّ أو قملة سقطت أو نحو ذلك)[16]، وعنه(عليه السلام): (يُستحب للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكّة حتى يشتريا بدرهم تمراً فيصدّقا به، لما كان منهما في إحرامهما ولما كان في حرم الله عزّ وجلّ)[17].

5. شراء الهديّة: عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت أهله بما تيسر ولو بحجر...)[18]، وعنه(عليه السلام): (هديّة الحجّ من الحجّ)[19]، وعنه(عليه السلام): (الهدية من نفقة الحجّ)[20].

6. الختم بالمدينة: عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (من زارني، أو زار أحداً من ذرّيتي، زرته يوم القيامة، فانقذته من أهوالها)[21].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله)  أنه قال: (مَن أتى مكة حاجاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة)[22].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (إذا حجَّ أحدكم فليختم حجّه بزيارتنا، لأنَّ ذلك من تمام الحج)[23].

7. التعجيل في الرجوع: عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): (إذا قضى أحدكم نسكه فليركب راحلته ويلحق بأهله فإن المقام بمكة يقسي القلب)[24].

8. وداع البيت: عن قثم بن كعب: قال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): (إنّك لتدمن الحجّ؟ قلت: أجل، قال: فليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب وتقول: (المِسكينُ عَلى بَابِكَ، فَتَصدَّقْ عَلَيه بِالجنَّةِ))[25].

وإنّ أبا عبد الله(عليه السلام) لمّا ودّعها وأراد أن يخرج من المسجد الحرام خرّ ساجداً عند باب المسجد طويلاً ثم قام فخرج[26]

9. ترك الذنوب: فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (آية قبول الحجّ ترك ما كان عليه العبد مقيماً من الذنوب)[27].

 


[1] سورة الحج: آية27.

[2] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ج5، ص462.

[3] كنز العمال، المتقي الهندي: ج5، ص23.

[4] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج2، هامش ص216.

[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج2، ص174.

[6] المصدر السابق: ج11، ص369.

[7] راجع الكافي، الشيخ الكليني: ج4، ص284.

[8] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص251.

[9] الكافي، الشيخ الكليني: ج4، ص286.

[10] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج2، ص293.

[11] الكافي، الشيخ الكليني: ج4، ص545.

[12]    الحَقو: الخَصرُ ومشدّ الإزار من الجنب.

[13] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج2، ص280.

[14] المصدر السابق: ج2، ص525.

[15] الكافي، الشيخ الكليني: ج4، ص317.

[16] الكافي، الشيخ الكليني: ج4، ص533.

[17] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج2، ص483.

[18] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج11، ص459.

[19] الكافي، الشيخ الكليني: ج4، ص280.

[20] المصدر السابق.

[21] كامل الزيارات، الشيخ القمي: ص41.

[22] الكافي، الشيخ الكليني: ج4، ص548.

[23] علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ج2، ص459.

[24] علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ج2، ص446.

[25] الكافي، الشيخ الكليني: ج4، ص532.

[26] المصدر السابق: ج4، ص530.

[27] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج10، ص165.