شهر رمضان شهر الإنجاز

قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان)[1].

جميع المسلمين في لهفة لاستقبال شهر رمضان الكريم، فهو شهر العطاء والخير، وهو شهر صالح أن يكون منطلقاً للتغيير، وبه قابلية إنشاء برنامجٍ عمليّ يخص مفردة التغيير الاجتماعي، ومن ميزات و صفات هذا الشهر كونه هو منشأ هذه الصلاحية والقابلية وسنوضح بعضها في هذه السطور:

الصفة الأولى: البرمجة النفسية:

يرى علماء النفس، أن أي تغيير وانتقال نحو أمر جديد يجب أن يكرر من 6 إلى 21 مرة، وهي الفترة اللازمة لإحداث تغييرٍ حقيقيً في صفة معينة فلابد أن تكرر نجاحاته 6 إلى 21 مرة.

ولو طبقنا هذه القاعدة على شهر رمضان 29 إلى 30 يوماً، هذا يعني استمرار النجاح في هذه العبادة العظيمة 30 يومًا - أي 30 مرة - فتتكرّر عملية الإمساك من الصباح وإلى المغرب، فلا تشرب ولا تأكل ولا تسب ولا تفسق، وهذا يمثل برمجة ناجحة ومنتظمة في مشروع التغيير، وهذه صفة عظيمة في شهر رمضان، فصيام ثلاثين يوماً بأكملها من رمضان برنامج يتصف بالاستمرارية، وهو أفضل نفسيًا وبرمجيًا من صيام متقطع غير مؤقت 60 يومًا أو حتى 600 يوم هذا لا يقلل من شأن الصيام المتقطع، فصيام أي يوم له فوائد كثيرة، لكن نحن نتحدث عن فضائله في البرمجة النفسية، والاستمرارية وأثرها البالغ في البرمجة و لهذا السبب تجد أن الإسلام نهى عن الإفطار طيلة أيام رمضان لمن ليس له عذر وأن الشخص الذي أفطر لا يعوض ذلك اليوم ولو صام الدهر كله، فأي انقطاع ربما يفصل بين فقرات برنامج التغيير.

الصفة الثانية: اتخاذ القرار:

من ميزات هذا الشهر الفضيل أنّه يعلّم المسلم اتخاذ القرار، وهي مشكلة يواجهها الكثير من الناس ويعانون الاضطراب في السلوك نتيجة فقدانها، والإنسان القوي يكون إنساناً صاحبَ قرار، بعيداً عن التلكؤ والتردد في الحكم، فالتردد والخوف لا يُنشِئ نفوسًا ضعيفة فحسْب بل يأتي بأمراض نفسية وجسمانية أيضاً، والتردد في القرار تبدأ خطواته الأولى في اتخاذ قرارات صغيرة ثم يكبر حتى يصبح ملكة وعادة، وأغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة و صغيرة فكل ثانية تمر في حياتنا فيها مجموعة قرارات النظرات وحركات اليد والرجل وغير ذلك من المواقف المختلفة التي تحتويها ساعات اليوم، كل ذلك قرارات يتخذها العقل بوعي أو بغير وعي في الدقيقة بل والثانية الواحدة، تصور تردد في مثل هذه القرارات، إن ذلك يعني مشاكل كثيرة صحية ونفسية.

وشهر رمضان يعوّد على اتخاذ القرار فالإنسان عندما يريد أن يصوم، فإنّه يتخذ القرار بنيّة الصيام وهكذا يتخذ القرار بالإمساك وقت الإمساك وكذلك يتخذ القرار بالفطور وقت الفطور وغير ذلك، فإذا تعوّد الإنسان اتخاذ القرار طيلة فترة شهر رمضان فإنه سوف يتبرمج على اتخاذ القرار مما يجعل الإنسان أكثر قوّة وإرادة.

الصفة الثالثة: الإنجاز:

كيف يحصل التغيير أو تأتي الحلول أو يحل التغيير أو يتغير الحال؟

التغيير يبدأ من داخل الإنسان وليس من خارجه كما نرى ثقافة بعض الشعوب ترجع في حل مشكلاتها وتغيير واقعها الى مشعوذ أو كاهن أو معالج روحي أو حتى الى عطار.. التغيير أولاً وقبل كل شيء من عند الله، والله وضعه في داخل الإنسان، قال تعالى: (إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[2].

شهر رمضان يعلّم الإنسان الإنجاز في فترة تدريبية عملية مدة ثلاثين يوماً متصلة يصوم المسلم نهاره ويقوم ليله فيشعر في نهاية الشهر أنه حقّق ربحاً كبيراً وأنجزت عملاً عظيماً، وطبائع الناس تبدأ متحمّسة فتخف الحماسة مع الأيام، أما شهر رمضان فيعلّم الإنسان كيف ينجز أمراً عباديّاً بإرادة قوية ثم تصبح أقوى بعد أيام، فإذا طالت المدّة تقوّت الإرادة أكثر على غير عادة الكسالى فيقضي المسلم ليله في التعبّد ونهاره في التلاوة والذكر، فإذا قربت النهاية زيد من عمله فدخل في الليالي الأكثر بركة وهكذا يكون الإنجاز الصحيح، ابدأ عملاً ثم كثّف أكثر ثم إذا قربت من الإنجاز فشدّ أكثر حتى تتم العمل كله بإتقان وتمام.

الصفة الرابعة: الخروج عن المألوف:

يكاد يُجمع العارفون والباحثون في موضوع الإبداع على أن الإبداع خروج عن المألوف، وما أحوج الإنسان في كل زمان وبالذات في هذا الزمان إلى الإبداع والتجديد، كما أن كسر الروتين والخروج عن المألوف أحد الأعمال الضرورية للتغلب على القلق وضغوط الحياة، وكلُّنا معتادون على أن نقوم في وقت وننام في وقت ونذهب إلى العمل أو الدراسة ونعود ونأكل ونشرب ونتسوّق إلى غير ذلك من أمور الدنيا في وقت محدّد في الغالب، وعندما يأتي علينا شهر رمضان المبارك تتغير علينا الأمور ونخرج عن المألوف والروتين المستمر وتتجدد علينا الحياة.

التجديد والتغيير لابد أن يكون في جدولك اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي.

التغيير والتجديد سمة من سمات هذا الشهر بل ومن سمات هذا الدين العظيم، حتى لا تمل النفوس وحتى تتجدد فتنطلق من جديد.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (7)

 


[1] سورة البقرة: الآية 185.

[2] سورة الرعد: الآية 11.