آداب الراحة وطلب الفرح والسرور

يعتقد كثير من الناس أن الفرح والابتهاج والسرور لا علاقة له بالإسلام، وأن الإسلام يخاصم الدنيا، ويتخذ موقفاً سلبياً منها، ومما فيها من زينة ومتاع وبهجة، ويحسبون أن التقوى ـ المطلوبة في الإسلام ـ إنما هي بلبس الرث من الثياب، والانزواء وترك العمل، وتأديب النفس لحد القسوة.

ذلك أن من عقائد الإسلام عقيدة الدار الآخرة، والتي تمثل مركزية في عقل المسلم بما فيها من حساب، وعدل، وجزاء، وجنة، ودار خلود، ونعيم مقيم، وانتصاف للمظلومين والمحرومين، كما أن الإسلام يحث الإنسان على الجهاد طوال الوقت، سواء اتصل ذلك الجهاد بالنفس وبحملها على المكاره ومنعها مما تحب، أو بالأعداء ودفعهم عن الظلم والفساد في الأرض، فهذه كلها تعزز تلك الفكرة.

والواقع أنهم تعرضوا لسوء الفهم في تاريخ الفكر الإسلاميّ؛ لأن الإسلام كما هو يمد بصر المسلم إلى الآخرة، ويجعل قلبه معلقاً بها، فهو أيضاً يشتبك مع الدنيا، ويتفاعل معها إبداعاً واستمتاعاً في توازن ووسطية تمثل معلماً بارزاً من معالم الإسلام تجاه القضايا المتعددة.

فالفرح من الأمور المطلوب تحصيلها لما ينتج عنه من نشاط النفس لذكر الله، وشكره، والإحسان في عبادته؛ ولهذا أرشد(صلى الله عليه وآله) أمته، وعلّمهم دعاءً يدعون الله به يذهب به عنهم الحزن، ويحصل لهم به الفرح والسرور، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ((من أصابه هم أو حزن فليقل: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي في يدك ، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وذهاب همي، وجلاء حزني. قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما قالهن مهموم قط إلا أذهب الله همه، وأبدله بهمه فرحا، قالوا: يا رسول الله، أفلا نتعلم هذه الكلمات؟ قال: فتعلمُوهنَّ، وعلموهن))[1].

وإذا ألقينا النظر على كتاب الله وسُنّة رسوله(صلى الله عليه وآله) يتجلى لنا أن بعضها واردة بشأن ذم الدنيا، والزهد فيها، والتخفف عنها، والأخرى تدعو للتمتع بالطيبات، وعدم نسيان نصيب الإنسان منها، وتستنكر تحريم (زينة الله)، قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[2]، وقوله تعالى:
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهَُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهَ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[3].

ودلّت النصوص الشرعية على أن أعظم أسباب الفرح والسعادة، وسرور النفس وابتهاجها هو التقرب إلى الله تعالى بفعل مراضيه، والابتعاد عن مساخطه، وهذا لا يحصل إلا بأن تؤدى هذه العبادات بقلوب مطمئنة راضية موقنة مسرورة، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ((وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها لمطعمه ومشربه ، وهذه عون على تلك الساعتين))[4].

وعنه(صلى الله عليه وآله): ((لكل عامل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى))[5].

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): ((إنّ هذه القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم))[6].

وعنه(عليه السلام): ((روحوا القلوب فإنها إذا أكرهت عميت))[7].

وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال : ((في حكمة آل داود(عليه السلام) : إن على العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم))[8].

آداب أماكن الراحة والاستجمام:

1- السفر إلى بلاد أخرى: وينبغي هنا للمؤمن أن يحاول السفر إلى البلاد التي تحافظ على الأخلاق والآداب الإسلامية، فمثلاً يطلب السفر إلى البلاد التي يوجد بها المراقد المقدسة للأئمة(عليهم السلام) أو للأولياء الصالحين، أو يطلب السفر إلى العمرة وزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) والسيدة الزهراء(عليها السلام) وأئمة البقيع(عليهم السلام) فأعظم راحـة وأعظم سرور تجده قرب بيت الله الحرام وقرب المراقد المقدسـة لأولياء الله عز وجل.

ثم إن في هذه البلاد يوجد أيضاً أماكن الترفيه الشرعية التي يفرح فيها الأطفال والكبار، وهناك في هذه البلاد أيضاً المناظر الطبيعية المريحة للأعصاب والمفيدة لصحة البدن.

2- البعض يطلب أماكن الترفيه داخل بلاده، وهنا عليـه أيضاً أن يراعي دينه فلا يذهب إلى الأماكن التي تخالف الأخلاق الإسلامية، كالأماكن التي تشيع فيها مكبرات صوت الأغاني والموسيقى، أو أماكن الاختلاط الفاحش، وهنا إن فعل ذلك فإنـه يؤثر على أهله وأبنائه حيث ينبغي أن لا يروا المعصية فتهون عليهم.

3- البعض إلى صالات الألعاب، أو المقاهي التي عادة ما تشيع فيها المحرمات كلعب القمار ومشاهدة الأفلام الخليعة والاستماع إلى الغناء والموسيقى المحرمة أو الحديث بالغـيبة والكذب والكلام البذيء، ومرافقة أهل السوء وهذا ما لا ينبغي للمؤمن التواجد في هكذا أماكن والتي تُخسره الدنيا والآخرة.

4- ومنهم من يطلب الاستمتاع ببرامج الكمبيوتر، وينبغي هنـا أن يتعامل مع البرامج المفيدة الدينية والعلمية، ولا ينبغي لـه أن يتعامل مع البرامج التي تهدم العقل وتزيد الجهل وتبعد الإنسان عن الهدف السليم.

في الختام:

يَحسنُ للإنسان أن يتعامل مع نفسه في أطوارها وسياقاتها المتنوعة تعاملاً رفيقاً، ويجعل توازنها وعافيتها من أهم المقاصد والغايات؛ لأن ذلك سبيلها لحسن القيام بالتكليف، والعيش الطيب الذي هو مرضيّ عند الله لعباده، وأن يقبل على الطيبات وعلى -زينة الله- يشبع منها رغبات نفسه بلا إسراف ومغالاة، متذكراً أنه في كل حالاته ينبغي أن يكون عبداً لله لا تستثني حالة من تلك، سواء كان في محراب المسجد أو في ساحات الحياة؛ لأن المؤمن ينشد سعادة الدنيا والآخرة كليهما، فهو في لحظات السعادة لا يغتر بالفرح، وهو عند نقصانها مع تقلب أحوال العيش من الصابرين الشاكرين، وبالجملة التيسير والرفق هو منهج الإسلام، وفي الفرح والابتهاج في حياة الإنسان هو مرضاة الرحمن ما لم يبلغ العصيان.

 


[1] البحار: ج92، ص280.

[2] الأعراف:32.

[3] القصص:77.

[4] عوالي اللئالي: ج3، ص296.

[5] المهذب: ج3، ص173.

[6] البحار: ج1، ص182.

[7] المهذب: ج3، ص173.

[8] الوسائل: ج11، ص343.