للجهاد أهمية كبرى في حياة المسلمين، فهو طريق لنيل أعظم الأجر وأفضل الثواب، ويكفيه أنَّه بابٌ من أبواب الجنَّة، وحسبنا أنَّ اللهَ جلَّ جلاله يُحبّ أهله: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)[1].
والإسلام جعل له تشريعاتٍ وقوانين وحدود نتقيَّد بها ونراعيها لنصل إلى الهدف المنشود.
وبما أنَّ الجهاد عبادة، ففيه آداب وأخلاقيات وسُنن لا بُدَّ أنّ نُحْييها، لننال أجرها وأجر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة.
ومن جملة آداب وأخلاقيات الجهاد والحرب في سبيل اللهَ تعالى شأنه:
1- ان لا يحارب الإنسان المسلم اخاه المسلم: فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «قتال المسلم أخاه كفر، وسبابه فسوق»[2].
2- الدعوة قبل القتال: وهي مبدأ إسلامي يرتكز إلى قاعدة وجوب الدعوة إلى الإسلام قبل القتال، فلا يلجأ إلى القتال إلا بعد نفاذ كل الأساليب اللاعنفية الأخرى، فعليهم أولاً أن يجربوا الحكمة والموعظة الحسنة وأساليب الإقناع والوساطات والنفس الطويل والصبر قبل اللجوء إلى الحرب، فعن الإمام أبي عبد الله
الصادق(عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام) بعثني رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى اليمن فقال: «يَا عَلِيُّ لَا تُقَاتِلَنَّ أَحَداً حَتَّى تَدْعُوَه وأيْمُ اللهَ لأَنْ يَهْدِيَ اللهَ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْه الشَّمْسُ وغَرَبَتْ ولَكَ وَلَاؤُه يَا عَلِيُّ»[3]. فإنَّ الإسلام لا يسمح بأخذ المحاربين بغتة، بل ينذرهم قبل مباشرة القتال، ويعلن البراءة منهم.
3- عدم البدء بالقتال: حتى بعد إلقاء الحجة، فعن جندب عن أبيه: أن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) كان يأمر في كل موطن لقينا فيه عدونا فيقول: «لَا تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ حَتَّى يَبْدَؤُوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللهَ عَلَى حُجَّةٍ وتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُوكُمْ حُجَّةٌ لَكُمْ أُخْرَى»[4].
4- عدم الشروع في القتال حتى تزول الشمس: روي عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) لَا يُقَاتِلُ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ ويَقُولُ: تُفَتَّحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وتُقْبِلُ الرَّحْمَةُ ويَنْزِلُ النَّصْرُ ويَقُولُ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى اللَّيْلِ وأَجْدَرُ أَنْ يَقِلَّ الْقَتْلُ ويَرْجِعَ الطَّالِبُ ويُفْلِتَ الْمُنْهَزِم»[5].
5- التذكير بتقوى اللهَ سبحانه: من السُّنَّة الشريفة أن يقوم وليُّ الأمر أو مَنْ يقوم مقامه بتذكير المجاهدين بتقوى اللهَ سبحانه في سائر حلِّهم وترحالهم، وأهدافِ الجهاد أيضاً.
فالجهاد فيه خطر وجرح وقتل وتعرُّضٌ لأموال النَّاس وأعراضهم وحرماتهم وأرواحهم وأَمْنهم وخصوصياتهم، فلا بُدَّ من التنبيه عن التصرُّفات الطائشة لا سمح اللهَ الناتجة عن الانفعال أو التسرُّع... وهذا ما نراه كثيراً عند غير المسلمين في حروبهم، مبرِّرين ذلك بأنَّه من ضرورات الحرب! عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «إِنَّ النَّبِيَّ(صلى الله عليه وآله) كَانَ إِذَا بَعَثَ أَمِيراً لَه عَلَى سَرِيَّةٍ أَمَرَه بِتَقْوَى اللهَ عَزَّ وجَلَّ فِي خَاصَّةِ نَفْسِه ثُمَّ فِي أَصْحَابِه عَامَّةً ثُمَّ يَقُولُ اغْزُ بِسْمِ اللهَ وفِي سَبِيلِ اللهَ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهَ ولَا تَغْدِرُوا ولَا تَغُلُّوا وتُمَثِّلُوا ولَا تَقْتُلُوا وَلِيداً ولَا مُتَبَتِّلاً فِي شَاهِقٍ ولَا تُحْرِقُوا النَّخْلَ ولَا تُغْرِقُوه بِالْمَاءِ ولَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً ولَا تُحْرِقُوا زَرْعاً...»[6].
6- سلاح الدعاء أعظم سلاح للمحاربين المجاهدين: من دعاء الإمام علي (عليه السلام) لما عزم على لقام القوم بصفين: «اللهمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ... وإِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ، واعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَةِ»[7].
وعنه(عليه السلام) عند لقاء العدو محارباً: «اللهمَّ إِلَيْكَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ ومُدَّتِ الأَعْنَاقُ... اللهمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا، وكَثْرَةَ عَدُوِّنَا وتَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا»[8].
وإذا أراد (عليه السلام) القتال قال هذه الدعوات: «اللهمَّ إِنَّكَ أَعْلَمْتَ سَبِيلاً مِنْ سُبُلِكَ جَعَلْتَ فِيه رِضَاكَ ونَدَبْتَ إِلَيْه أَوْلِيَاءَكَ وجَعَلْتَه أَشْرَفَ سُبُلِكَ عِنْدَكَ ثَوَاباً وأَكْرَمَهَا لَدَيْكَ مَآباً وأَحَبَّهَا إِلَيْكَ مَسْلَكاً...»[9].
7- التذكير بأنَّ الجهاد لا يُقدِّم أجلاً ولا يُؤخِّرْه: وذلك من علامات اليقين والتسليم، وهذا يمنع الخوف أو الجبن أو الفرار لا سمح الله، فيبقى المجاهد مقداماً، ثابتَ الجنان.
8- المحافظة على الصلاة في أوَّل وقتها: وهذه صفة ينبغي أن تكون نهجاً يومياً لكل مسلم، أمَّا التأكيد عليها في خصوص الجهاد، فلكي لا يتذرَّع المجاهدون بما يُحيط بهم، فيُهملونها، فَعَنْ عَقِيلٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) كَانَ إِذَا حَضَرَ الْحَرْبَ يُوصِي لِلْمُسْلِمِينَ بِكَلِمَاتٍ فَيَقُولُ: «تَعَاهَدُوا الصَّلَاةَ وحَافِظُوا عَلَيْهَا واسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وتَقَرَّبُوا بِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً وقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ الْكُفَّارُ حِينَ سُئِلُوا: (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) وقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا مَنْ طَرَقَهَا وأُكْرِمَ بِهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا يَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زَيْنُ مَتَاعٍ ولَا قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ مَالٍ ولَا وَلَدٍ»[10].
9- من المهم جداً جمع المعلومات عن العدو وتحركاته ومعداته وإمكانياته: وحتى أعداده وغير ذلك، وذلك يتم بوسائل مختلفة منها إرسال العيون، فمن وصية لأمير المؤمنين(عليه السلام) لزياد بن النضر: «اعلم أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم فإذا أنت خرجت من بلادك ودنوت من عدوك فلا تسأم من توجيه الطلائع في كل ناحية وفي بعض الشعاب والشجر والخمر وفي كل جانب حتى لا يغتركم عدوكم ويكون لكم كمين»[11].
10- الحرب خدعة: فمن استطاع ان يخدع العدو أو يؤثر في معنوياته بطريقة ما فليفعل، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «...إن الحرب خدعة»[12].
11- يحرم الفرار من الزحف: قال تعالى: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله)[13].
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «حرم الله تعالى الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدنيا والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة...»[14].
12- حملُ الرايات واتَّخاذُ الشِّعار: كل جيش في العالم أو دولة، له شعارٌ أو رايةٌ يُعرف بها... ومن آداب الإسلام، أن يحمل المسلمون في ساحة المعركة رايةً أو شعاراً يرمز إليهم، ويدلُّ عليهم، مُعبِّراً عن عقيدتهم أو مقدَّساتهم أو رموزهم، وكان شعار المسلمين يومَ أُحُد (يا نصر الله إقترب)، ويوم صفين (يا نصر الله). وشعار الحسين(عليه السلام) (يا محمد).
13- جعلُ الراية مع المعروفين بشجاعتهم: فالراية شعار وعنوان، ودليلُ ثباتٍ ونصرٍ، يقول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولَا تَمِيلُوا بِرَايَاتِكُمْ ولَا تُزِيلُوهَا ولَا تَجْعَلُوهَا إِلَّا مَعَ شُجْعَانِكُمْ»[15].
14- مؤازرةُ الإخوان بعضهم بعضاً في ساحة المعركة: المؤمن قويٌ بإخوانه، ومَثَلُهم كَمَثَلِ البنيان المرصوص، فقد ورد في الخبر: «وإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ إِخْوَانِكُمُ الْمَجْرُوحَ ومَنْ قَدْ نُكِّلَ بِه، أَوْ مَنْ قَدْ طَمِعَ عَدُوُّكُمْ فِيه فَقُوه بِأَنْفُسِكُمْ»[16].
15- المرابطة على الصبر في كافة المواطن: فلا يُنال شيءٌ دون الاستعانة بالصبر في سائر المواطن. فعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَاصْبِرُوا وصَابِرُوا واسْأَلُوا النَّصْرَ ووَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الْقِتَالِ...»[17].
وفي نصٍ آخر: «فَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصِّدْقِ فَإِنَّمَا يَنْزِلُ النَّصْرُ بَعْدَ الصَّبْرِ فَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِه ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله»[18].
16- عدم الخوف من الأعداء: وذلك لأنَّهم يُقاتلون في سبيل دنيا زائلة أو طاغوت فانٍ، والشيطانُ وليُّهم، أمَّا الذين آمنوا فيُقاتلون في سبيل إعلاء كلمة الإسلام، وللآخرة، والله تعالى وليُّهم، يقول الله سبحانه: «الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا»[19].
وعن عليٍ أمير المؤمنين (عليه السلام): (إِنَّ الرُّعْبَ والْخَوْفَ مِنْ جِهَادِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْجِهَادِ والْمُتَوَازِرِينَ عَلَى الضَّلَالِ ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وسَلْبٌ لِلدُّنْيَا مَعَ الذُّلِّ والصَّغَار)[20].
17- تعويدهم على عدم استضعاف الخصم أبداً: وهذه إستراتيجيَّة منهجيَّة دائمة في عدم الاستخفاف بالعدو؛ لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى ضعف الهمَّة والتثاقل، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «آفة القوي، استضعاف الخصم»[21].
18- مدح الشجاع منهم: فَمَدْحُه يحثُّه على تكرار مواقفه الشجاعة، ويحثُّ إخوانَه على التمثُّل به، فقد رُوي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «ووَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وتَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وتُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ الله...»[22].
19- اختيار القائد المثالي: لا بُدَّ عند اختيار القادة الميدانيين، ومسؤولي المجموعات القتالية، أن تُلحظ فيهم صفاتُ الإخلاص، والطاعة، والتديُّن، قال أميرُ المؤمنين(عليه السلام) في كتابه لمالك الأشتر: «فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ، أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّه ولِرَسُولِه ولإِمَامِكَ، وأَنْقَاهُمْ جَيْباً وأَفْضَلَهُمْ حِلْماً، مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ ويَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ، ويَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ ويَنْبُو عَلَى الأَقْوِيَاءِ، ومِمَّنْ لَا يُثِيرُه الْعُنْفُ ولَا يَقْعُدُ بِه الضَّعْفُ»[23].
20- دعوتهم إلى طاعة القيادة والوثوق بها: فقد رُوي عن عليٍ أمير المؤمنين (عليه السلام): «آفة الجند مخالفة القادة»[24].
[1] سورة الصف: آية4.
[2][2] كنز العمال، المتقي الهندي: ج15، ص18.
[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص28.
[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص38.
[5] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص28.
[6] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص29.
[7] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص245.
[8] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص374.
[9] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص46.
[10] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص36.
[11] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج33، ص465.
[12] كنز العمال، المتقي الهندي: ج4، ص469.
[13] سورة الأنفال: آية 16.
[14] علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ج2، ص481.
[15] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص36.
[16] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص42.
[17] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص38.
[18] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص40.
[19] سورة النساء: آية76.
[20] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص38.
[21] عيون الحكم، الواسطي: ص182.
[22] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص434.
[23] نهج البلاغة، تحقيق صالح: ص433.
[24] عيون الحكم، الواسطي: ص182.