لا يستطيع الإنسان أن يعيش لوحده في هذا العالم، فمهما حاول أن يعتمد على نفسه فإنّه لن يستطيع الاستغناء عن طلب العون والمساعدة من الآخرين في العديد من أمور حياته، وذلك بغضّ النظر عن مستواه العلمي والمادي والصحي، فالإنسان منذ الصغر يبدأ حياته باحتياجه للعون من الآخرين، وهكذا ينهي حياته، حتى من يمتلك مقوّمات النجاح لا يستطيع تحقيقها إلّا إذا دعمه الآخرون في ذلك.
وقد وردت روايات مستفيضة في الحثّ على تقديم العون والسعي في قضاء حوائج المؤمنين وما لهم من الثواب العظيم، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ((من سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائما نهاره قائما ليله))[1].
وعنه(صلى الله عليه وآله): ((من مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب المجاهدين في سبيل الله))[2].
وعن الإمام الكاظم(عليه السلام): ((إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة))[3].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): ((من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله كتب الله عزّ وجلّ له ألف ألف حسنة))[4].
وعنه(عليه السلام): ((قال الله عزّ وجلّ: الخلق عيالي، فأحبهم إلي ألطفهم بهم، وأسعاهم في حوائجهم))[5].
وعنه(عليه السلام): ((من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم، كان الله في حاجته ما كان في حاجة أخيه))[6].
وعنه(عليه السلام): ((إنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكل الله عزّ وجلّ به ملكين: واحدا عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته))[7].
وهناك بعض الآداب التي ينبغي مراعاتها وهي:
1- أن يطلب العون أولاً من الله عز وجل ويدعوه بهذا الدعاء: ((اللهم لا تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار خلقك وما جعلت بي حاجة فاجعلها إلى أحسنهم وجهاً وأسخاهم بها نفساً وأطلقهم بها لساناً وأقلّهم عليّ بها مناً))[8].
2- أن لا يطلب الإنسان حاجته إلّا من أهل الدين والمروءة والحسب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((اطلبوا المعروف والفضل من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم))[9].
وعن الإمام علي (عليه السلام): ((فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها))[10].
وعن الإمام الحسين (عليه السلام): ((لا ترفع حاجتك إلّا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دين، أو مروءة، أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه، وأمّا ذو المروءة فإنه يستحي لمروءته وأما ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك ان يردك بغير قضاء حاجتك))[11].
3- إذا كانت الحاجة من فقر فعليه أن يخفي فقره حتى لا يشعر بالذل أمام الناس ويتذلل لله عزّ وجلّ فقط في طلب حوائجه.
4- أن يعلم صاحب الحاجة أنّه عزيز في الآخرة عند الله فمن يصنع له معروفاً في الدنيا يجازه الله في الآخرة، وكذا إذا كانت حاجة عن فقر قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((لولا فقراؤكم ما دخل أغنياؤكم الجنّة))[12].
5- أن يجتهد في حياته مهما أمكن حتى يستغني عن حاجة الناس وسؤالهم، ويحفظ بذلك كرامته وعزّه فعن النبي (صلى الله عليه وآله): ((يا أبا ذر إيّاك والسؤال فإنّه ذلّ حاضر وفقر تتعجله...))[13]. وقد قيل: (السؤال ذل ولو أين الطريق).
6- أن يشجع أولاده والآخرين على العمل ويعلمهم ما يحفظون به كرامتهم وعزتهم أمام الناس.
7- لا تسأل من غير حاجة، قال الإمام الباقر (عليه السلام): ((لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحد))[14].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): ((ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه الله إليها ويثبت الله له بها النار))[15].
8- يستثنى من ذل السؤال، السؤال عن الدين وللتزود من العلم، قال الإمام الرضا (عليه السلام): ((العلم خزائن ومفتاحها السؤال فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل والمعلم والمستمع والمجيب لهم))[16].
وورد في الخبر الشريف: ((سل عن أُمور دينك حتّى يقال عنك مجنون))، وهذا كناية عن كثرة السؤال، وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): ((سل عمّـا لا بدّ لك من علمه ولا تُعذر في جهله))[17].
9- يستحب طلب الحاجة في أوقات معينة، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((ومن تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداوود (عليه السلام)))[18].
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): ((ويوم الخميس يوم الدخول على الأمراء وقضاء الحوائج))[19].
[1] البحار، المجلسي: ج71، ص315.
[2] ثواب الأعمال، الصدوق: ص288.
[3] الكافي، الكليني: ج2، ص197.
[4] الكافي، الكليني: ج2، ص197.
[5] الكافي ، الكليني: ج2، ص199.
[6] أمالي الشيخ الطوسي: 97.
[7] الكافي، الكليني: ج2، ص195.
[8] البحار، المجلسي: ج75، ص56.
[9] المستدرك: ج7، ص228.
[10] نهج البلاغة، الرضي: ص479.
[11] تحف العقول، ابن شعبة الحراني: ص247.
[12] مشكاة الأنوار، الطبرسي: ص126.
[13] الخصال، الصدوق: ص182.
[14] الكافي، الكليني: ج4، ص20.
[15] الكافي، الكليني: ج4، ص19.
[16] مسند الرضا (عليه السلام): ص164.
[17] عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: ص284.
[18] الكافي، الكليني: ج8، ص143.
[19] الخصال: ص384.