يحتلّ السفر موقعاً متميّزاً في الحياة الإسلاميّة، وقد أكّدت على ضرورته وأهميّته؛ ذلك أنّ السفر له تأثيره الجادّ من جوانبه المختلفة في كمال الإنسان.
ومن الحِكم التي استبطنها تأكيد الإسلام على السفر: الآثار الإيجابيّة التي تعود على المسافر خلال حركته في بلاد الله العريضة، ذلك أنّ دراسة الآثار التاريخيّة وأخذ العِبَر من آثار الأقوام السالفة الغابرة، والتفكّر في أسرار الخلقة، والتعرّف على آيات الله عزّ وجلّ لها عميق الأثر في تنمية القوى الفكريّة والعقليّة البشريّة، وفي اكتساب الإنسان لمزيد من العِلم والخبرة والتجربة والتعرّف على آداب وعادات وتقاليد الأمم الأخرى، إضافة إلى إسهام السفر في تقوية سلامة الفرد بدنيّاً وروحيّاً.
وقد وردت في الروايات المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام) جملة من الآداب المتعلّقة بالسفر، يترجح مراعاتها والقيامُ بها كلاً أو بعضاً لكونها مستحبة في ذاتها ولكونها منطلقاً لتحصيل العناية الإلهية والرحمة السماوية التي تمهد سبيل النجاح في نيل الغاية التي سافر من أجلها وتزيل الحواجز والعقبات التي قد تعترض سبيل نجاحه ونيل أمنيته.
وهذه الآداب كثيرة سنقتصر على ذكر بعضها وهي كما يلي:
1- افتتاح السفر بالصدقة: عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: ((افتتحْ سَفَركَ بالصَّدقة، واقرأ آية الكرسيّ إذا بدا لك))[1].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: ((تَصدَّقْ واخرُجْ أيَّ يومٍ شئتَ))[2].
وأن يقول عند التصدق: ((اللهم إني اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة سفري وما معي اللهم احفظني واحفظ ما معي، وسلمني وسلم ما معي، وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل...))[3].
2- غسل السفر: يستحب أن يغتسل للسفر ويقول: ((بسم الله وبالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وعلى ملة رسول الله والصادقين عن الله، صلوات الله عليهم أجمعين. اللهم طهر به قلبي واشرح به صدري ونور به قبري، اللهم اجعله لي نوراً وطهوراً وحرزاً وشفاء من كل داء وآفة وعاهة وسوء مما أخاف واحذر وطهر قلبي وجوارحي وعظامي ودمي وشعري وبشري ومخي وعصبي، وما أقلت الأرض مني. اللهم اجعله لي شاهداً يوم حاجتي وفقري وفاقتي إليك يا رب العالمين. إنك على كل شيء قدير))[4].
3- صلاة ركعتين والدعاء عند السفر: روى الطبرسيّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: ((ما استخلفَ رجلٌ على أهله بخلافةٍ أفضل من ركعتَين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفره، ويقول عند التوديع: (اللهمَّ إنّي أستودعُكَ اليومَ دِيني ونفسي ومالي وأهلي وولدي وجيراني وأهل حُزانتي -الحُزانة: عيال الرجل الذين يتحزّن بأمرهم ولهم-، الشاهد منّا والغائب، وجميعَ ما أنعمتَ به عليَّ. اللهمَّ اجعَلْنا في كَنَفِكَ ومَنْعِك وعياذِك وعزِّك. عَزَّ جارُك، وجَلّ ثناؤك، وامتنع عائذُك، ولا إله غيرُك. توكّلتُ على الحيّ الذي لا يموت، الله الذي لم يتّخذ ولداً، ولم يكن له شريكٌ في المُلك، ولم يكن له وليٌّ من الذُّلّ وكَبِّره تكبيراً. الله أكبر كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً) ))[5].
وروى الطبرسي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّه كان إذا وضع رِجله في الرِّكاب يقول: ((سُبحانَ الذي سَخَّر لنا هذا وما كُنّا له مُقرِنين))[6]. ويُسبحّ اللهَ سبعاً، ويحمد اللهَ سبعاً، ويُهلّل اللهَ سبعاً))[7].
ويستحب له أن يقول وهو سائر: ((اللهم خل سبيلنا وأحسن مسيرنا وأحسن عاقبتنا))، وأن يكثر من التكبير والتحميد والاستغفار.
4- التعوذ عند السفر: عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن جبرائيل(عليه السلام): ((من أراد سفراً فأخذ بعضادتي باب منزله فقراً إحدى عشر مرة (قل هو الله أحد) كان الله له حارساً حتى يرجع))[8].
وكان أبو جعفر الباقر(عليه السلام) إذا أراد سفراً جمع عياله في بيت ثم قال: ((اللهم إني أستودعك)) إلى آخره[9].
5- الأوقات المستحبّة للسفر: عن الإمام الباقر(عليه السلام): ((كان رسول الله يسافر يوم الخميس وقال لي: يوم الخميس يوم يحبه الله ورسوله وملائكته))[10].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: ((مَن أراد سفراً فليُسافِر في يوم السبت، فلو أنّ حَجَراً زال عن جبلٍ في يوم السبت لَردّه الله تعالى إلى مكانه))[11].
وعنه(عليه السلام) قال: ((ومن تعذّرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء؛ فإنّه اليوم الذي ألانَ اللهُ فيه الحديدَ لدواد(عليه السلام)))[12].
6- إعلام الإخوان: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): ((حقّ على المسلم إذا أراد سفراً أن يُعلِم إخوانَه؛ وحقّ على إخوانهِ إذا قَدِم أن يأتُوه))[13].
7- أحكام العِشرة في السفر والحضر: عن معاوية بن وهب أنّه سأل الإمامَ الصادق (عليه السلام) فقال: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خُلطائنا من الناس ممّن ليسوا على أمرنا؟
فقال(عليه السلام): ((تنظرون إلى أئمّتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون ما يصنعون. فواللهِ إنّهم لَيعودون مرضاهم، ويَشهدون جنائزهم، ويُقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويُؤدّون الأمانة إليهم))[14].
وعن أبي ربيع الشاميّ، قال: كنّا عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) والبيت غاصٌّ بأهله، فقال (عليه السلام): ((ليس منّا من لم يُحسن صُحبةَ مَن صَحِبَه، ومُرافقةَ مَن رافَقَه، ومُمالَحةَ مَن مالَحَه، ومخالقةَ مَن خالقه))[15].
8- كراهية الوحدة في السفر: عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((ألا أُنبئكم بشرّ الناس؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: مَن سافر وحدَه، ومنع رِفدْ، وضَرَب عبدَه))[16].
9- تشييع المسافر وتوديعه والدعاء له: وأن يُقرأ في أذنه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرءانَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ) إن شاء الله، ثم يقول: (سر على بركة الله)، وأن يقول عند وداعه: (استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، أحسن الله لك الصحابة؛ وأعظم لك العافية، وقضى لك الحاجة وزوّدك التقوى، ووجهك للخير حيثما توجهت، وردك (الله) سالماً غانماً)[17].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: ودّع رسول الله(صلى الله عليه وآله) رجلاً فقال له: ((سلّمك الله وغنمك))[18].
10- في الدعاء عند نزول منزل: روى الطبرسيّ أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال لعليّ(عليه السلام): (يا عليّ، إذا نزلتَ منزلاً فقُل: (ربِّ أنزِلْني مُنزَلاً مُبارَكاً وأنتَ خيرُ المُنزِلين)[19])[20].
11- يستحب الاشتراك بالخدمة والإعانة في السفر.
12- في الدعاء عند الرجوع من السفر: روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال - لمّا رجع من خيبر -: ((آئبون تائبون إن شاء الله، عابدون راكعون ساجدون لربّنا حامدون. اللهمَّ لك الحمدُ على حِفظكَ إيّايَ في سَفَري وحَضَري. اللهمَّ اجْعَل أوبَتي هذه مباركةً ميمونةً مقرونةً نَصُوحاً، تُوجب لي بها السعادةَ الأبديّة، يا أرحم الراحمين))[21].
مكروهات السفر
ووردت جملة من مكروهات السفر والتي منها:
1- عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((اتقّ الخروج إلى السفر في اليوم الثالث من الشهر، والرابع من الشهر، والحادي والعشرين منه، والخامس والعشرين منه))[22].
2- عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((لا تسافر يوم الاثنين...))[23].
3- عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنی))[24]، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يكره أن يسافر الرجل أو يزوج والقمر في المحاق[25].
4- يكره السفر وحيداً، وروي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): ((من خرج وحده في سفره فليقل: (ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم آنس وحشتي وأعني على وحدتي وأد غيبتي) ))[26].
[1] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج2، ص175.
[2] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ج1، ص520.
[3] البحار، العلامة المجلسي: ج97، ص107.
[4] الأمان من أخطار الأسفار والأزمان، السيد ابن طاووس: ص20.
[5] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ج1، ص524.
[6] الزخرف:13.
[7] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ج1، ص528.
[8] البحار، العلامة المجلسي: ج73، ص242.
[9] البحار، العلامة المجلسي: ج73، ص249.
[10] من لا يحضره الفقيه: ج2، ص266.
[11] المزار، الشيخ المفيد: ص58.
[12] الكافي، الشيخ الكليني: ج8، ص143.
[13] وسائل الشيعة، الحرّ العاملي: ج5، ص329.
[14] وسائل الشيعة، الحرّ العاملي: ج5، ص399.
[15] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ج1، ص533.
[16] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص259.
[17] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص249.
[18] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص250.
[19] سورة المؤمنون: آية29.
[20] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص260.
[21] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص260.
[22] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص241.
[23] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج2، ص267.
[24] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص242.
[25] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص242.
[26] مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص259.