المشورة هي وسيلة من وسائل انتظام الحياة الشخصية والاجتماعية، وهي من أهم الوسائل لتجنُّب ما أمكن من الأخطاء التي قد يكون الوقوع فيها موجباً لضياع الكثير الكثير مما يمكن أن توفُّره على نفسك، فمستقبل الكثير من الناس قد ضاع نتيجةَ رأيٍّ قد اتخذه شخص بمفرده، فلأنّه لم يستشر العقلاء، وذوي التجربة، وذوي الخبرة، وأهل التخصص؛ لذلك وقع في خطأ كان ثمنه أن يضيع كلُّ مستقبله.. وهكذا الشأن فيما يرتبط بالأمور العامة بلا فرق، بل هو أكثر أهمية.
والمشورة لا يكون حسنها متمحضاً في ذوي الجهل من الناس، أو في الصغار، أو في مَن لا خبرة عنده ولا تجربة، فكل هؤلاء يحسُن منهم، بل ينبغي منهم أن يستشيروا في شؤونهم، ولكن الأمر لا يختص بهؤلاء، بل كل المجتمع على اختلاف مراتبه، وشرائحه، ومستوياته، يحسُن منه أن يمتهن سجيَّة التشاور، ويستفاد من الآية المباركة: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ)[1]، كان موجهاً للرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)، الذي كان مُسدَّداً بوحي الله، وبعصمته، ورغم ذلك يأمره الله (عزَّ وجل) بمشاورة أصحابه! وذلك ليُعبِّر عن هذا الأمر: وهو أنّه لا أحد فوق المشورة، ولا أحد مستغن عن المشورة؛ فالنبي الكريم (صلى الله عليه وآله) رغم أنّه مستغن بالوحي، ولكن حينما يزاول عملية التشاور بين الناس، وبين أصحابه، فإن ذلك يؤدي إلى أنّه لو كان ثمَّة مستنكف عن المشورة فإنّه سيستحي من نفسه، إذ كان الرسول ـ وهو المؤيَّد بالوحي ـ يستشير، فأنا أولى بأن أستشير.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((ما خاب من استخار ولا ندم من استشار))[2].
ومن الجوانب الإيجابية في عملية الشورى أن الإنسان يأخذ آراء الآخرين وتجاربهم وخبراتهم في موضوع ما، فيضيف إلى تفكيره تفكير الآخرين، ورحم الله امرأً جمع عقول الناس إلى عقله، وبالتالي فإنّ فرصة الوقوع في الخطأ في اتخاذ القرار تقل عندما يستشير الإنسان الآخرين.
روايات حول المشاورة
قال الإمام الصادق(عليه السلام): ((إذا أردت أمراً فلا تشاور فيه أحداً حتى تشاور ربك، قال: قلت له: وكيف أشاور ربي؟ قال تقول: (أستخير الله) مائة مرة، ثمّ تشاور الناس فإنّ الله يجري لك الخيرة على لسان مَن أحبّ))[3].
من كتاب المحاسن: عن الحلبي، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: ((إنّ المشورة لا تكون إلا بحدودها الأربعة فمَن عرفها بحدودها وإلا كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها، فأولها: أن يكون الذي تشاوره عاقلاً، والثاني: أن يكون حراً متديناً، والثالث: أن يكون صديقاً مواخياً، والرابع: أن تطلعه على سّرك فيكون علمه به كعلمك، ثمّ يسـر ذلك ويكتمه، فإنه إذا كان عاقلاً انتفعت بمشورته، وإذا كان حراً متديناً أجهد نفسه في النصيحة، وإذا كان صديقاً مؤاخياً كتم سرّك إذا أطلعته عليه، فإذا أطلعته على سرّك فكان علمه كعلمك، تمت المشورة وكملت النصيحة))[4].
وعنه(عليه السلام) قال: ((استشيروا العاقل من الرجال الورع، فإنّه لا يأمر إلّا بخير، وإياك والخلاف، فإن خلاف الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا))[5].
وعنه(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ((مشاورة العاقل الناصح يمن ورشد وتوفيق من الله (عزّوجلّ)، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب))[6].
عن الحسن بن الجهم قال: كنا عند الإمام الرضا(عليه السلام) فذكرنا أباه، فقال : ((كان عقله لا يوازى به العقول. وربما شاور الأسود من سودانه فقيل له تشاور مثل هذا ؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى ربما فتح على لسانه، قال: فكانوا ربما أشاروا عليه بالشيء فيعمل به في الضيعة والبستان)) [7].
عن الإمام الصادق(عليه السلام): قال: قيل لرسول الله(صلى الله عليه وآله): ما الحزم؟ قال: ((مشاورة ذوي الرأي وأتباعهم)) [8].
عنه(عليه السلام): ومما أوصى(صلى الله عليه وآله) به علياً(عليه السلام) قال: ((لا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، وقال: إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له))[9].
تُعدّ مسألة المشاورة خاصّة في الأمور الاجتماعية وما يتعلّق بمستقبل المجتمع من أهمّ المسائل التي عرضها الإسلام بدقّة وأهميّة خاصّة، ولها مكانة متميّزة في آيات القرآن الكريم والروايات الإسلامية.
وقد جاء الأمر بالمشورة في عدّة آيات من القرآن الكريم، ففي سورة آل عمران أمر الله تعالى رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله)، بأن يشاور المسلمين في الأمور المهمّة وهو قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ)[10].
وفي سورة الشورى، وعند بيان الأوصاف المتميّزة للمؤمنين حقّاً يقول تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[11].
وكما تلاحظون في هذه الآية، أنّ مسألة الشورى هي بمستوى الإيمان بالله تعالى والصلاة، إذ يبيّن ذلك أهميّتها الاستثنائية.
أحاديث في أهمية المشاورة:
عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ((مَن أراد أمراً فشاور فيه وقضى هدي لأرشد الأمور))[12].
وعنه (صلى الله عليه وآله): ((مَن أراد أمراً فشاور فيه إمرأً مسلماً، وفقه الله لأرشد أموره))[13].
وعنه (صلى الله عليه وآله): ((ما تشاور قوم إلّا هُدوا إلى رشدهم))[14].
وعنه(صلى الله عليه وآله): ((إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاؤكم، وأمركم شورى بينكم، فَظَهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم فَبَطن الأرض خير لكم من ظَهرِها))[15].
وعنه(صلى الله عليه وآله): ((لا يفعلن أحدكم أمراً حتى يستشير))[16].
وعن الإمام علي(عليه السلام): ((إذا عزمت فاستشر))[17].
وعنه(عليه السلام): ((إذا أمضيت أمراً فامضه بعد الروية ومراجعة المشورة))[18].
وعنه(عليه السلام): ((خير مَن شاورت ذوو النهى والعلم وأولو التجارب والحزم))[19].
ما هو حق المُستشير (من يطلب المشورة)؟
1- إن كان لك رأي فيما طلب فأعلمه برأيك، وإلّا فدله على مَن يملك ذلك الرأي.
2- تجنّب السرعة في إبداء الرأي، إلّا بعد التفكير والتدقيق.
3- أن يعلم المُستشار أنّ طلب الاستعانة به من الآخرين وأخذ رأيه هو نعمة من الله (عزّ وجلّ)، فيشكر الله على ذلك ويخلص في عمله، قال الإمام السجاد (عليه السلام): ((إرشاد المُستشير قضاء لحقّ النعمة))[20].
ما هو حقّ المُشير عليك (مَن تطلب منه المشورة)؟
1- لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، وتظن بذلك خيراً فقد تكون أنت المخطئ.
2- تحمد الله عز وجل وتشكره وتدعو له إن وافق رأيه رأيك.
3- عدم مخالفة رأي الناصح العاقل، فإنّ في ذلك الضرر لك.
مَن تشاور؟
1- شاور من يخشى الله ويخافه، المتقي الورع.
2- شاور أصحاب التجارب (فالتجربة خير برهان وسلْ مجرّب ولا تسأل طبيب).
3- شاور العاقل وإن لم يكن صديقك، ولا تشاور الجاهل وإن كان قريبك.
4- لا تشاور مستبد برأيه معجب بنفسه.
5- لا تشاور البخيل والأحمق والكذّاب والخائن والسفيه والفاسق.
6- لا تشاور الجبان ولا الحريص.
جملة من الآداب التي ينبغي الحرص عليها:
1- عليه أن يستشير أصحاب الخبرة والتجربة ومَن يملكون مؤهلات إيمانية وأصحاب التخصصات في موضوع الاستشارة.
2- عندما يستشير الإنسان الآخرين عليه أن يأخذ الرأي الأصوب والأحسن ولا يميل لرأي آخر تعصّباً منه.
3- إذا كان هناك عدّة مستشارين واختلفوا في الرأي، فيأخذ رأي الأغلبية إذا لم يصلوا إلى نتيجة واحدة.
4- على المستشير أن يأخذ آراء من يستشير ويطبّق رأيهم وإلّا فسيعتبر الآخرين تصرّفه مهين لهم فينفرون منه مستقبلاً.
5- في الواجبات والمحرّمات ليس هناك مشورة، بل على الإنسان أن ينفّذ الأوامر الإلهية وأوامر الرسول الأكرم والأئمّة (عليهم السلام)، فليس هناك مشورة في أمر النبوّة والإمامة، وليس هناك مشورة في الأحكام الدينية كالصلاة، والصيام، والحج، والخمس...، وإنّما يرجع إلى الفقهاء المجتهدين.
6- يجب على الإنسان إذا علم أنّ رأيه فيه إرشاد للجاهل، وتنبيه للغافل، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ولم يكن هناك شخص آخر يعمل ذلك، فعليه أن يبادر إلى طرح رأيه.
[1] سورة آل عمران: آية 159.
[2] كنز العمال: ج7، ص813.
[3] مكارم الأخلاق: ص318.
[4] مكارم الأخلاق: ص318.
[5] مكارم الأخلاق: ص319.
[6] مكارم الأخلاق: ص319.
[7] مكارم الأخلاق: ص319.
[8] مكارم الأخلاق: ص319.
[9] مكارم الأخلاق: ص319.
[10] سورة آل عمران: آية159.
[11] سورة الشورى: آية 38.
[12] الدر المنثور: ج6، ص10.
[13] كنز العمال: ج2، ص409.
[14] البحار: ج75، ص105.
[15] كنزل العمال: ج11، ص123.
[16] مكارم الأخلاق: ص238.
[17] غرر الحكم: ص441.
[18] غرر الحكم: ص57.
[19] غرر الحكم: ص442.
[20] الكافي: ج1، ص20.