لغة الجسد

قراءة أفكار الآخرين رغبة في نفوس أغلب الناس؛ كونها إحدى طرائق الفهم والتفهيم، وهي عملية لا تحتاج إلى قوى خارقة، وليست هي من الأمور الغيبية، وإنّما هي تحتاج إلى فهم الاستجابات الطبيعية للإنسان في التأثر بالمؤثرات الخارجية أو الانفعالات الداخلية، فجميع ذلك يظهر في حركات الجسم، والتي يسمّيها علماء النفس أو غيرهم (لغة الجسد).

إنّ لغة الجسد هي تلك الحركات والإيماءات غير المحكية التي يقوم بها الأفراد بشكل غير واعٍ في معظم الأحيان، لكنّها تحكي ما يدور في رأس أحدنا، فقد أظهر بحث أجري في جامعة كاليفورنيا، أنّ ما نسبته 7% فقط من عملية التواصل يتمّ من خلال اللغة اللفظية، في حين أنّ النسبة المتبقية متوزّعة كما يلي: 38% من خلال نبرة الصوت. 55% من خلال لغة الجسد الأخرى من إيماءات وحركات لليدين والقدمين وطريقة الوقوف أو الجلوس.

لقد ذكر المختصّون طرقاً رائعة تمكّن الإنسان من فهم لغة الجسد للأشخاص من حوله، والاستفادة منها في بناء علاقات شخصية ومهنية أفضل:

أولاً: حركة الذراعين أو القدمين، يمكنك من خلالها معرفة نظر المقابل إلى رأيك، إذ إنّ تقاطع الذراعين والساقين يعني في العادة أنّ الشخص المقابل لا يتقبل ما تقوله، وليس مقتنعاً بأفكارك. حتى لو كان مبتسماً ويستمع إليك، فحركة جسده تعبّر عمّا يشعر به فعلياً دون وعيٍ منه.

يفسّر علماء النفس تقاطع اليدين والقدمين أنّه إشارة إلى أنّ الشخص منفصل عاطفياً وعقلياً وجسدياً ممّا يوجد أمامه. وهذه الإشارة تظهر بلا وعي مع أنّها ظاهرة للعيان بوضوح، فقط تحتاج مَن يفهمها.

2- الابتسامات، منها حقيقية ومنها مصطنعة، والتجاعيد هي التي تمّيز بينها؛ لأنّها تتعلّق بالابتسام، فالشفتان ربما تكذبان، لكن حينما يبتسم لك شخصٌ ما بصدق، ستظهر تجاعيد صغيرة حولها، وهي الدليل لمعرفة ما إذا كان أحدهم سعيداً حقاً برؤيتك أم لا؛ إذ غالباً ما تُستخدم الابتسامة كقناع لإخفاء الكثير من المشاعر والأفكار، لكنّها في هذه الأحيان تكون ابتسامة غير حقيقية، ولا تتعدّى انثناء الشفتين للأعلى.

وهناك أمر لابدّ من معرفته وهو أنّ الابتسامة المصطنعة لا تعني دائماً أنّ صاحبها لا يحبك، فقد تكون إشارة إلى أنّ هناك أمراً آخر يقلقه ويشغله أثناء الحديث، ممّا يدفعه لمجاملتك على هذا النحو دون وعي منه.

3- تقليد حركات الجسد، وهو من الأمور الإيجابية، فقد يقوم الشخص المقابل بتغيير وضعية جلوسه إذا قمت أنت بذلك، ويقلّد حركاتك، أو أنّه يهزّ رأسه بذات الطريقة التي تهزّ بها رأسك أنت أيضاً، في الواقع، يُعدّ هذا الأمر إشارة إيجابية للغاية. إذ إنّنا نقلّد حركة الشخص الذي أمامنا دون وعي منّا حينما نشعر بأنّنا أقرب إليه. كما أنّه يدل على أنّ التواصل يسير جيّداً بين الطرفين، وأنّ الطرف الآخر يتقبّل الكلام بصدر رحب.

4- لغة العيون، هي من التعابير الصادقة للجسد، ومع ذلك، لا يزال بإمكانك الكشف عمّا إذا كان أحدهم يكذب عليك أم لا… إن كنت تتحدّث مع أحدهم، وكان يحدّق فيك بطريقة غريبة تشعرك بعدم الارتياح، فذلك يعني على الأغلب أنّه يخفي شيئاً ما، خاصّة إن كان لا يرمش إطلاقاً أثناء التحديق إليك.

6- حركة الحاجبين، رفع الحاجبين يدل على عدم الراحة، فهي حالة تحصل عند الشعور بالخوف، وعند الشعور بالمفاجأة، أو في حال الإحساس بالقلق، وعليه، فمن الصعب حقاً أن تقوم بهذه الحركة أثناء التحادث حول موضوع يُشعرك بالراحة والأنس.

وإن كنت تتحدّث مع أحدهم، ورأيته يرفع حاجبيه، على الرغم من أنّ موضوع الحديث لا يدعو إلى القلق والخوف، والمفاجأة، فاعلم هنا أنّ هذا الشخص يشعُر بعدم الارتياح، وباله منشغل عنك بأمر آخر مختلف.

7- حركات الرأس، إيماءات الرأس المبالغ فيها لا تعني إيماءة الرأس الموافقة على الدوام، فقد تشير إلى القلق، وقد يكون هنالك إلى جانب (الموافقة) مشاعر أخرى تجهلها، غير أنّها تظهر جليّة من خلال لغة الجسد.

حينما تطلب شيئاً من أحدهم، وتجد أنّه يهزّ رأسه موافقاً بشكل مبالغ فيه، فاعلم أنّه يشعر بالقلق حيال ما تفكّر فيه اتجاهه، وربما يشعر بأنّك تشكّك في قدرته على إتمام هذه المهمّة بنجاح، ممّا يدفعه إلى هزّ رأسه أكثر في محاولة لا واعية منه لإقناعك بقدرته على تنفيذ ما طلبته منه بنجاح.

8- شدّ الفك، والرقبة المشدودة أو الحاجب المعقود...كلّها علامات على الإجهاد والتوتر والانزعاج. بغض النظر عما يقوله لك الشخص، فربما يكون موضوع المحادثة مقلقاً له.

من الضروري التركيز على التناقض بين ما يقوله الشخص وما تخبرك به لغة جسده المتوتّرة لتحديد ما إذا كان السبب هو موضوع المحادثة، أم شيئاً آخر لا تعلمه.

الخلاصة: مما تقدم يتبيّن أنّ لغة الجسد تُسهم في تحسين عملية التواصل، وفهم ما يشعر به الآخرون تجاه ما نقوله أو نفعله. كما يساعدنا على فهم أنفسنا، ومعرفة ما نشعر به حقاً من خلال مراقبة لغة جسدنا الخاصّة أيضاً.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (68)