إن للطرقات التي يسير عليها الإنسان آداباً كثيرة اهتم الإسلام ببيانها وحثّ على الالتزام بها في العديد من النصوص الشرعية، لاعتبارات عديدة.
وحيث ان الطرق مما يشترك فيها الناس ومنافعها لهم جميعاً وليس لأحد حق الانفراد فيها أو التسلّط عليها أو استغلال منافعها لمصلحته الشخصية، فإن ذلك ينافي وضعها الذي من أجله كانت وفي سبيله وُضعت.
فالذي يراعي آداب الطريق هو في الحقيقة يبتعد عن الأنانية وحب الذات ليعيش في رحاب حب المجتمع كله وإرادة الخير لكل عابر يعبر الطريق، وهو في نفس الوقت يقدم صورة جميلة عن المجتمع الذي يعيش فيه، فان الذي يدخل في مجتمع ما، فإن أول ما يراه هو الشارع بنظافته وترتيبه وسلوك العابرين فيه، فإن ذلك كله سيكشف له عن طبيعة هذا المجتمع وحضارة أهله، من هنا نفهم تأكيد الإسلام على كل هذه المفردات التفصيلية، فإن الطرق هي النافذة التي ينظر المراقبون منها إلى مظاهر حياة المسلمين العامة ويأخذون من خلالها انطباعاً عن طريقة عيشهم، ويستكشفون منها ثقافتهم إذ التصرفات التي تصدر من الشخص إنما تنمُّ عن ثقافته التي يحملها، وأهم تلك الآداب التي ينبغي علينا مراعاتها هي:
1- عدم استغلال الطريق إذا كان ضاراً بالمارة: فلا يجوز الزرع فيها ولا غرس الأشجار ولا البناء عليها.
2- يجوز استغلال فضائها إذا لم يكن ذلك مضراً بالمارة.
3- المحافظة على نظافة الطريق: فعن النبي(صلى الله عليه وآله): (هلك المتقذّرون)[1].
وعنه(صلى الله عليه وآله): (إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة)[2].
4- إفساح الطريق: فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (دخل عبد الجنة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين، فأماطه عنه)[3].
وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله): (إن على كل مسلم في كل يوم صدقة)، قيل من يطيق ذلك؟ قال (عليه السلام): (إماطتك الأذى عن الطريق صدقة)[4].
وعن أمير المؤمنين في وصيته للإمام الحسن (عليه السلام): (إياك والجلوس في الطرقات)[5].
بل أمرنا أن نصلح الطريق، وإصلاحها جزاؤه رفع العذاب كما جاء في بعض الأحاديث الشريفة، فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(مرّ عيسى ابن مريم (عليه السلام) بقبر يعذب صاحبه ثم مر به من قابل فإذا هو لا يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان يعذب ومررت به العام فإذا هو ليس يعذب؟ فأوحى الله إليه أنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فلهذا غفرت له بما فعل ابنه، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ميراث الله عز وجل من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده، ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) آية
زكريا (عليه السلام) (رب) فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)[6].
5- اجتناب ما ينافي المروءة: من الآداب الرائعة أن الماشي في الطريق، ينبغي عليه أن يجتنب كل فعل ينافي الحشمة والأدب كالقهقهة والضحك بصوت عالٍ، وقد وصفها أهل البيت (عليهم السلام) أنها من عمل الشيطان، ففي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام):
(القهقهة من الشيطان)[7]. وعنه (عليه السلام): (كثرة الضحك تذهب بماء الوجه)[8].
ويكره الأكل في الشوارع، بل العلك أيضاً لما فيه من میوعة واستخفاف، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (الاكل في السوق دناءة)[9].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (.. والخذف بالحصى ومضغ الكندر في المجالس وعلى ظهر الطريق من عمل قوم لوط)[10].
6- ومن آداب الطريق في الإسلام أن تجتنب المرأة ملاقاة الرجال ومدافعتهم بل تنحرف عن وسطه إلى أحد جانبيه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليس للنساء من سروات الطريق شيء، ولكنها تمشي في جانب الحائط والطريق)[11].
وعن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (لا ينبغي للمرأة أن تمشي في وسط الطريق، ولكنها تمشي إلى جانب الحائط)[12].
وفي حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أما تستحيون ولا تغارون، نساؤكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج...)[13].
7- عدم التنخع والبصاق في الطريق: فعن الإمام علي (عليه السلام): إن رسول
الله (صلى الله عليه وآله): (إذا أراد أن يتنخع وبين يديه الناس غطى رأسه ثم دفنه، وإذا أراد أن يبزق فعل مثل ذلك...)[14].
8- خدمة المسافرين: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من بنى على ظهر طريق مأوى عابر سبيل بعثه الله يوم القيامة على نجيب من در وجوهر، ووجهه يضيء لأهل الجمع نوراً حتى يزاحم إبراهيم الخليل في قُبّته، فيقول أهل الجمع: هذا ملك من الملائكة، لم نر مثله قط، ودخل في شفاعته من أهل الجنة أربعون ألف ألف رجل، ومن حفر بئراً للماء حتى استنبط ماءها فبذلها للمسلمين كان له كأجر من توضأ منها وصلى، وكان له بعدد كل شعرة لمن شرب منها من إنسان أو بهيمة أو سبع أو طير عتق ألف رقبة، وورد حوض القدس يوم القيامة ودخل في شفاعته عدد النجوم).
فقيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما حوض القدس؟ قال (صلى الله عليه وآله): (حوضي حوضي ثلاثاً)[15].
وعنه (صلى الله عليه وآله): (من حفر بئراً أو حوضاً في صحراء، صلّت عليه ملائكة السماء، وكان له بكل من شرب منه من إنسان أو طير أو بهيمة ألف ألف حسنة متقبلة، وألف رقبة من ولد إسماعيل، وألف بدنة، وكان حقاً على الله أن يسكنه حظيرة القدس)[16].
[1] ميزان الحكمة: ج4، ص3302.
[2] ميزان الحكمة: ج4، ص3302.
[3] الخصال: ص32.
[4] مستدرك الوسائل: ج7، ص242.
[5] أمالي الشيخ الطوسي: ص8.
[6] الكافي: ج6، ص4.
[7] الكافي، ج2، ص664.
[8] الكافي، ج2، ص664.
[9] الوسائل: ج24، ص395.
[10] من لا يحضره الفقيه: ج1، ص260.
[11] الكافي: ج5، ص518.
[12] الفقيه: ج1، ص518.
[13] الكافي: ج5، ص337.
[14] مستدرك الوسائل: ج1، ص248.
[15] مرآة الكمال: ج2، ص347.
[16] مستدرك الوسائل: ج2، ص402.