بناء الذات

الإنسان هو نقطة الارتكاز في التشريع الإلهي وهو الأساسُ في كل حضارة بشرية، وبناء الإنسان وتكامله من أهم المسائل التي أهتم بها الشرع الحنيف، ولهذا وضعت الشريعة مجموعة من الخطوات التي ينبغي للإنسان المسلم العمل على تحصيلها في بناء ذاته وشخصيته وتهذيب نفسه ليرتقي في سلم التوفيق لطاعة ربه ومعرفته ويكون فردا ناجحاً في حياته، وأول مراحل بناء الذات هو معرفة النفس فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ)[1] وعنه (عليه السلام): (مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَدِ انتَهى إِلى غايَةِ كُلِّ مَعرِفَةٍ وعِلمٍ)[2].

إنّ تهذيب النّفس عن الرذائل والصفات غير المرغوبة له آثاراً كبيرة في بناء الذات وقوة الشخصية والتغلب على أشد الأزمات والمحن التي تواجه الإنسان في حياته فالميدان الأول للإنسان نفسه فإن قدر عليها كان على غيرها أقدر وإن عجز عنها كان عن غيرها أعجز.

خطوات بناء الذات: 

1- تصور الإنسان عن نفسه:

(من أنا) و(ما هي حقيقتي) و(لماذا خلقت)، بناء الذات يبدأ من معرفة الذات نفسها، فعليك حتى تبني شخصية قوية واثقة أن يكون تصورك عن نفسك إيجابياً، ولا نعني هنا أن تخادع نفسك وتتجاهل عيوبها أو تبالغ في محاسنها؛ بل نعني أن تكون واعياً بما تملكه من إيجابيات وسلبيات؛ لكن الأمر فقط يحتاج إلى بعض العناء والتدريب، والسمو بنفسك. فإن مثل هذا التصور الإيجابي يمنحك طموح التغيير، وحافز الفعل والصبر على المصاعب.                
2- حب وتقدير الذات:

حبك لذاتك وتقديرك لها هو فرع ثقتك بما وهبك الله تعالى ومن خلاله ينظر الإنسان لنفسه بأنه يستحق الأفضل، فمن يحب ذاته يقدّرها ولا يضعها في موضع مهين، ولا يسيء لصورة هذه الذات أمام الناس بعد أكرام الله له قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ)[3].      

3- الثقة فيما تملك ما دمت بالفعل تملكه:

 أنت تملك ما لا يملكه الغير، فكل إنسان فيه ما يختلف عن غيره، كاختلاف صوته، وطريقة إلقائه، ومشيته، وطريقة عرضه للأمور، ومعالجته لمشاكله وأزماته.. إلخ؛ فما الذي يدعوك للخجل من نفسك ما دامت تتميز بها، فتعلّم وحاول التركيز على قدراتك ومهاراتك الذاتية ومعلوماتك وهواياتك، وتمرّن على إبرازها أمام الآخرين، والافتخار بذاتك، ومعرفتك بنفسك وبما تملك، فإن ذلك يعطيك معرفة بما حولك، كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام): (مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَهُوَ لِغَيْرِهِ أعْرَفُ)[4].

4- تقوية الشخصية بالمعلومات:

فكّر دائماً فيما ينقصك كي تكون مميزاً بين أقرانك، واحرص حتى على قراءة كل ما هو جديد، وحاول أن يكون لديك ثقافة عامة عما حولك، بالإضافة لتقوية نفسك في مجالك، والاهتمام بمظهرك العام، وحاول أن تشارك في الأحاديث العامة، وشارك في المناسبات الاجتماعية كي تكتسب حضورًا بين الناس.

5- القدرة على مواجهة المشكلات:

وقوفك مكتوف اليدين أمام المشكلات التي تواجهك يجعلك تفقد الثقة في نفسك، وفي قدرتك على الفعل، وعلى تغيير مسار الأمور، لكنك على العكس إذا بادرت بمواجهة المشكلات تشعر بمكانتك وبقدرتك على المواجهة، وقدرتك على الفعل؛ حتى إن لم تنجح في ذلك أحياناً، وشيئاً فشيئاً ستؤتي هذه المبادرات ثمرتها بما تكتسب معها من خبرة لتكون ضرباتك سديدة فيما بعد وكلما حققت نجاحاً زادتْ ثقتك في نفسك.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (46)

 


[1]  ميزان الحكمة، الريشهري: ج3، ص1877. 

[2] نفس المصدر.

[3] سورة الإسراء: الآية 70.

[4] ميزان الحكمة، الريشهري: ج3، ص1877.